الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ إِحْدَى صَلَاتِي الْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ سَلَّمَ, ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ,

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ إِحْدَى صَلَاتِي الْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ سَلَّمَ, ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ,
5

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ H إِحْدَى صَلَاتِي الْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ سَلَّمَ, ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ, فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا, وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ, فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ, وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ, فَقَالُوا: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ! وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ H ذَا الْيَدَيْنِ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَنَسِيتَ أَمْ قُصِرَتْ? فَقَالَ: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ» فَقَالَ: بَلَى, قَدْ نَسِيتَ, فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ, ثُمَّ كَبَّرَ, فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ, أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ, ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ, فَكَبَّرَ, فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ, أَوْ أَطْوَلَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «صَلَاةُ الْعَصْرِ».

وَلِأَبِي دَاوُدَ, فَقَالَ: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ? فَأَوْمَئُوا: أَيْ نَعَمْ».

وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، لَكِنْ بِلَفْظِ: «فَقَالُوا».

وَهِيَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ: «وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ».

تخريج الحديث:

حديث أبي هريرة: رواه البخاري (1229)، ومسلم (573). وفي رواية لمسلم: «صَلَاةُ العَصْرِ»، وبنحوها في البخاري: «قَالَ مُحَمَّدٌ (أي: ابن سيرين): وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ».

وفي رواية لأبي داود (1008) أن النبي H قال: «أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ فَأَوْمَئُوا: أَيْ نَعَمْ»، والثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي H قال: «أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ»، قال أبو داود: ولم يذكر: «فَأَوْمَئُوا» إلا حماد بن زيد. اهـ، وقد اختلف على حماد بن زيد؛ فرواه بعضهم عنه بهذا اللفظ، ورواه بعضهم عنه بمثل لفظ الجماعة: «فَقَالُوا: نَعَمْ». رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/444).

وفي رواية لأبي داود (1012): «وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ»، وهي زيادة لا تصح، في سندها محمد بن كثير الصنعاني، فيه ضعف، فالنبي H إنما سجد؛ لأن الصحابة أخبروه بسهوه، لا أنه أوحي إليه.




فقه الحديث:

المسألة الأولى: الكلام إذا سلم الإمام قبل انتهاء الصلاة سهوا([1]):

هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، والأصح من أقوال أهل العلم الذي عليه جماعة من السلف، والمشهور عن مالك، ورواية لأحمد، وعليه جمع من الحنابلة: أنه يجوز للمأمومين الكلام إذا سلم الإمام سهوًا قبل أن تنتهي الصلاة، إذا كان الكلام لمصلحة الصلاة بقدر الحاجة دون زيادة - كأن يقال له: «نسيت» أو «أنقصت» أو «لم تسجد».. إلخ.

ودليله: حديث أبي هريرة؛ ففيه أن ذا اليدين I قال للنبي H: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَى قَدْ نَسِيْتَ» بعد أن علم ذو اليدين أن الصلاة لم تقصر، عندما قال له النبي H: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ»، وأيضًا سأل النبي H الصحابة عن قول ذي اليدين «فَقَالُوا: نَعَمْ»، مع علمهم أن الصلاة لم تنته.

وأما ما جاء عند أبي داود: «فَأَوْمَئُوا: أَيْ نَعَمْ» أي: أشاروا بـ «نعم»، ولم يتلفظوا؛ فلعله غير محفوظ، ولعله تصرف من بعض الرواة.

وأما الكلام في هذه الحالة لغير مصلحة الصلاة؛ فيُبطل الصلاة؛ لأن الصلاة لم تنته بعد.

ومذهب بعض السلف، والحنفية والشافعية، والصحيح عند الحنابلة، وراية لمالك، وقول ابن حزم: أنه لا يجوز للمأمومين الكلام في هذه الحالة، وتبطل صلاتهم بسببه، وإنما يسبحون؛ لأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة، ولأن المصلي أمر بالتسبيح مطلقًا إذا نابه شيء في الصلاة.

وردوا على ما جاء في قصة ذي اليدين بالآتي:

فقال بعضهم: إن الكلام هنا منسوخ بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة.

وقال بعضهم: إنما يرخص به مع النبي H؛ لوجوب الرد على كلامه.

وقال بعضهم: إنهم ظنوا أن الصلاة قد انتهت؛ لأن رسول الله H هو المشرع لهم.

وقال بعضهم: تكلموا لأنهم ظنوا أن صلاتهم قد بطلت، وأنهم الآن ليسوا في صلاة، فيعذرون بجهلهم.

وقال بعضهم: إنما تكلموا؛ لأنهم لم يعلموا أن من بقي عليه بقية من الصلاة لا يتكلم؛ فهي حالة يتطرق الجهل إلى صاحبها بتحريم الكلام فيها.

قُلْتُ: فرق بين الكلام في صلب الصلاة، والكلام قبل انقضاء الصلاة إذا سلم الإمام سهوًا، وذلك لأنه إذا كان في صلب الصلاة؛ فلا زال في الصلاة حقيقة، فلا يتكلم حتى لمصلحة الصلاة، وإنما يسبح ـ كما سبق ـ. وأما إذا سلم الإمام سهوًا، ولم تنته الصلاة؛ فإنهم قد خرجوا من الصلاة، ولا زالت باقية حكمًا، وأيضًا لصعوبة التحرز عن الكلام في هذه الحالة، فكيف ينبه الإمام وهو قد ظن أن الصلاة انتهت؟! وإذا فهم بالتسبيح أو الإشارة؛ فلا يتكلم المأموم، لعدم الحاجة للكلام، والله أعلم.

المسألة الثانية: استجابة الإمام لتنبيه المأمومين([2]):

إذا تيقن الإمام، أو غلب على ظنه أن المأمومين أصابوا في تنبيههم له؛ فلا خلاف بين أهل العلم أنه يعمل بتنبيههم، فيستجيب لهم.

وأما إذا شك في صحة تنبيههم، فلم يدر أصاب هو أم أصابوا هم؛ فالصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أنه يأخذ بتنبيه المأمومين، كما يفهم من حديث ذي اليدين، فقد شك النبي H بعد كلام ذي اليدين، فتثبت من الصحابة فقالوا: نعم، فأكمل الصلاة، فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم سجد للسهو.

وقوله في الحديث: «خَرَجَ سُرْعَانُ النَّاسِ» أي: خرج من يعجل في الخروج بعد الصلاة، وظن أن الصلاة قد قصرت.

وأما إذا تيقن الإمام، أو غلب على ظنه أنه على الصواب، وأن المأمومين أخطأوا في تنبيههم؛ فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه يبقى على ظنه ولا يستجيب للمأمومين؛ لأنه مطالب بأن يصلي بما يغلب على ظنه، ولا يرجع لقول غيره، والله أعلم.

المسألة الثالثة: من سلم قبل انتهاء الصلاة متى يسجد للسهو([3])؟

يلزمه أولًا أن يكمل ما بقي من صلاته، ثم الصحيح أن السنة في هذه الحالة أن يسجد للسهو بعد السلام، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، واختاره ابن حزم.

ودليله: ما جاء في حديث أبي هريرة I: «صَلَّى النَّبِيُّ H إِحْدَى صَلَاتَي العَشِيّ ِرَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ... فقال: بَلَى قَدْ نَسِيتُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ».

وقال بعض أهل العلم: يسجد للسهو قبل السلام؛ لأن هذا السجود من أجل الصلاة ومتعلق بالصلاة، فكان المناسب أن يسجد له قبل السلام. وهذا القول مردود؛ لأنه قول بمقابل النص، ويمكن أن يرد عليه بقول مثله، وذلك بأن يقال: سجود السهو ليس من أصل الصلاة، فهو زائد عن الصلاة، فناسب أن يؤتى به خارج الصلاة، أي: بعد السلام منها، والنص حكم بين القولين.

 

([1]) المدونة (1/33)، الأوسط (3/234)، المجموع شرح المهذب (14/12، 17)، المحلى مسألة (378)، المغني (2/450)، مجموع الفتاوى (21/162)، فتح الباري لابن رجب (9/416)، الإنصاف (2/133)، البحر الرائق (2/217).

([2]) الإنصاف (2/24)، الموسوعة الفقهية (24/242).

([3]) المجموع شرح المهذب (4/109)، المغني (2/415)، المحلى [مسألة] (473)، فتح الباري (3/424).

5 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة