كَانَ النَّبِيُّ H يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ, فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ, كَبَّرَ, وَسَجَدَ, وَسَجَدْنَا مَعَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ فِيهِ لِيِنٌ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر: رواه وأبو داود (1413)، وفي سنده عبد الله بن عمر العمري، ضعيف.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: التكبير في سجود التلاوة([1]):
أولًا: التكبير فيها خارج الصلاة:
فيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: لا يشرع التكبير في سجود التلاوة في خارج الصلاة، وهو وجه للحنفية والمالكية والحنابلة، واختاره الألباني وشيخنا الوادعي؛ لعدم وجود دليل ثابت فيه، فهي سجدة بدوت تكبير.
القول الثاني: يكبر إذا سجد فقط، وهو وجه للحنفية والشافعية والحنابلة، واختاره ابن باز وابن عثيمين؛ لحديث ابن عمر I وفيه: «كَبَّرَ وَسَجَدَ».
وذهب جمهور العلماء إلى التكبير فيها في الخفض والرفع، قياسًا على تكبيرات الانتقال في الصلاة، فالسجود جزء من الصلاة، ولأنه ثبت عن جماعة من أئمة التابعين.
قُلْتُ: لا أعلم لهم مخالفًا من التابعين، فالتأسي بهم أولى.
ثانيا: التكبير فيها داخل الصلاة:
عامة الفقهاء - إلا من شذ - على أنه يشرع التكبير لسجود التلاوة إذا كان في داخل الصلاة، ففي الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ H يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ»، وفي سجود التلاوة يحصل الخفض والرفع، فيدخل في عموم هذا الحديث، ينتقل من القيام إلى السجود، ومن السجود إلى القيام، فهذه السجدة تقاس على بقية الانتقالات الموجودة في الصلاة، فعدم التكبير فيها يخالف المعهود والمعروف في الصلاة من التكبير عند كل خفض ورفع.
المسألة الثانية: التسليم في سجود التلاوة([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن سجود التلاوة لا سلام فيه؛ لعدم وجود الدليل على مشروعية التسليم فيه.
المسألة الثالثة: اشتراط الطهارة واستقبال القبلة في سجود التلاوة([3]):
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن سجود التلاوة تشترط له الطهارة واستقبال القبلة.
ودليلهم: أن السجود عمل من أعمال الصلاة، أو جزء من أجزاء الصلاة؛ فيأخذ حكم الصلاة، والصلاة تشترط لها الطهارة واستقبال القبلة.
وذهب بعض السلف، وجماعة من المحققين كابن حزم وابن تيمية وابن القيم، وجماعة من المعاصرين كالألباني وابن باز وابن عثيمين والوادعي: إلى أنه لا يشترط في سجود التلاوة طهارة ولا استقبال للقبلة؛ لعدم وجود دليل على اشتراط هذين الأمرين، وقياسه على الصلاة بعيد، فالفارق بين هذا السجود وبين الصلاة واضح.
وقد جاء في الصحيحين أن النبي H: «سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ»، ولا شك أن بين هؤلاء من كان على غير طهارة، ومن كان إلى غير القبلة، وأيضًا ما ثبت عن بعض أهل الكتاب أنهم سجدوا حين قرئ عليهم القرآن، وليسوا من المسلمين حتى يلتزموا بالطهارة واستقبال القبلة عند هذا السجود، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ثبت عن ابن عمر السجود بغير طهارة ولا مخالف له». إهـ. وهو الأرجح، والله أعلم. ولا شك أن الأفضل: أن يسجد الشخص وهو على طهارة ويستقبل القبلة، على الأقل؛ خروجًا من مخالفة الجمهور.
المسألة الرابعة: ما يقال في سجود التلاوة([4]):
نص الفقهاء على أنه يقال في سجود التلاوة ما يقال في سجود الصلاة، فكلاهما سجود، فعلى هذا يقول: «سبحان ربي الأعلى» ويكررها.
وقد وردت عن النبي H أذكار معينة في سجود التلاوة، وفي أسانيدها ضعف، وأقوى ما جاء فيه: ما رواه أحمد (6/30) والنسائي (2/222) والترمذي (580) وغيرهم عن عائشة J قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ»، وفي إسناده انقطاع.
([1]) المغني (2/359)، حاشية ابن عابدين (2/507)، بداية المجتهد (1/225)، فتح القدير (2/26)، المبدع (2/31)، المستوعب (2/461)، تمام المنة (ص/267)، الشرح الممتع (4/141).
([2]) الأوسط (5/279)، المغني (2/362)، مجموع الفتاوى (26/195).
([3]) مجموع الفتاوى (20/194)، (23/165)، المحلى (4/111)، الأوسط (5/284)، فتح الباري (3/258)، تهذيب سنن أبي داود (1/55)، تمام المنة (ص/270)، الشرح الممتع (4/125).
([4]) انظر المراجع السابقة.