- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ L; عَنِ النَّبِيِّ H قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(379) 34- وَعَنْ طَلْقٍ بْنِ عَلِيٍّ I قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ H يَقُولُ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالثَّلَاثَةُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
تخريج الحديثين:
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (998)، ومسلم (751).
حديث طلق بن علي I: رواه أحمد (4/23)، وأبو داود (1439)، والنسائي (3/230)، والترمذي (470)، وفيه قيس بن طلق، مختلف فيه، والأقرب أنه حسن الحديث، فسنده حسن([1]).
فقه الحديثين:
مسألة: من أوتر من الليل ثم أراد التنفل بعد ذلك([2]):
هذه المسالة فيها قولان:
القول الأول: ينقض وتره السابق، وذلك بأن يصلي ركعة منفردة يشفع بها وتره الأول، ثم يصلي شفعًا ويوتر مرة أخرى بعد الانتهاء من صلاته، وهو مذهب جماعة من السلف، ووجه للشافعية، ورواية لأحمد.
ودليله: قول النبي H: «اِجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا»، وهذا أمر فيمتثل له.
القول الثاني: يصلي بعد وتره شفعًا، يصلي – مثلًا - ركعتين أو أربعًا، ولا يصلي ركعة يشفع بها وتره، ولا يوتر بعد ذلك، ويكتفي بوتره الأول.
ودليله الآتي:
الأول: ما جاء عن طلق بن علي I أن النبي H قال: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»، فمن أوتر أولًا، ثم أعاد الوتر مرة ثانية؛ فقد وقع في النهي.
الثاني: ما ثبت عن النبي H أنه كان يصلي ركعتين بعد وتره، ففي الحديث: «ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ»، رواه مسلم من حديث عائشة، وأحمد (5/260) وغيره من حديث أبي أمامة. وجاء عن غيرهما من الصحابة، ففيه: أن النبي H ختم صلاته من الليل بركعتين، أي: بشفع لا بوتر، ولكن المعتاد عن النبي H أنه كان يختم صلاة ليله بوتر، وكان أحيانًا يختم بشفع بهاتين الركعتين؛ ليبين جواز إنهاء صلاة الليل بشفع، وأن جعل صلاة آخر الليل وترًا ليس واجبًا، وهذا أحسن ما يقال في توجيه هذا الحديث.
وما جاء من حديث ابن عمر L أن النبي H قال: «اِجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا»، فهو أمر للاستحباب؛ جمعًا بين الأدلة، وأيضًا ليس فيه ما يدل على نقض الوتر الأول وإعادة الوتر مرة ثانية، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وهو الراجح، والله أعلم.
ولا بأس بفعل ما قاله أصحاب القول الأول، فالأمر واسع، ولا دليل على المنع، والأفضل أن يكون على النحو الذي ذكره أصحاب القول الثاني، وقد صح عن علي I أنه كان يفعل هذا وهذا.
([1]) حسنه الألباني في صحيح الترمذي (391).
([2]) المجموع شرح المهذب (5/15)، شرح مسلم (6/19)، المغني (2/598)، المحلى (3/49)، فتح الباري (2/558).