وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ, فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا, وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ, وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا, وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ, وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ, فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ, وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا, وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ, وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا, وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَهَذَا لَفْظُهُ.
وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة: رواه أبو داود (603)، وإسناده حسن، وهو في البخاري (734)، ومسلم (416) دون قَوْلُهُ: «وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ،... وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ،... وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ»، وهذه زيادات لا تنافي الأصل؛ فلا تُعَلّ.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: مسابقة الإمام في أفعال الصلاة([1]):
اتفق الفقهاء على أن مسابقة الإمام في أفعال الصلاة محرمة، فلا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه، أو يكبر قبله، أو يرفع قبله... إلخ، أما صحة الصلاة؛ فالكلام عنها كالتالي:
أما تكبيرة الإحرام؛ فلا خلاف بين العلماء أن من كبر قبل إمامه أن صلاته لا تصح، فهو لا يعتبر مؤتمًّا بإمامه؛ لأن الإمام لم يكبر بعد.
وأما السلام؛ فالصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن من تعمد السلام قبل إمامه أن صلاته تبطل، فهو مرتبط بصلاة إمامه، فلا ينفصل منها قبله.
وأما بقية الأفعال؛ فالصحيح – كذلك - أن من تعمد سبق إمامه فيها أن صلاته تبطل، وهو مذهب الظاهرية، وظاهر كلام أحمد، ووجه للحنفية والشافعية والحنابلة، واختاره علماء اللجنة الدائمة والشيخ السعدي وابن عثيمين([2])؛ فقد نهى النبي H عن مسابقة الإمام، ففي صحيح مسلم أنه H قال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ»، والنهي يقتضي الفساد. وأيضًا لما فيه من الوعيد الشديد، ففي الصحيحين أن النبي H قال: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ
يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ»، فيعاقب إذا رفع من ركوع أو سجود قبل الإمام بأن يحول الله رأسه رأس حمار، ولأن فعله هذا يشبه من زاد ركوعًا أو سجودًا في صلاته.
وتوضيحه: أن يركع قبل إمامه، فإذا رجع ثم ركع مع الإمام؛ فهذا ركوع ثان، وإذا لم يرجع ثم وافقه الإمام؛ فهذا يعتبر ركوع ثان أيضًا، ولأن ركوعه قبل الإمام كصلاته قبل دخول الوقت.
والصحيح في المذاهب الأربعة: أن صلاته لا تبطل؛ لعدم وجود دليل على بطلانها.
أما من حصل منه هذا السبق سهوًا أو جهلًا؛ فلا تبطل صلاته عند جمهور العلماء، وهو الصحيح؛ لعدم تعمده، فهو معذور، ويرجع ليأتي به بعد الإمام، فإن لم يفعل عامدًا عالمًا بطلت صلاته؛ لأن ما فعله قبل الإمام لا يعتد به. وهو مذهب المالكية، والصحيح عند الحنابلة، وقول بعض الحنفية، ووجه للشافعية.
وأما إذا لم يعد سهوًا أو جهلًا؛ فلا تبطل صلاته عند جمهور العلماء، فقد وجد هنا هذا الركن وتخلف بعذر الجهل والنسيان، وهو الراجح.
المسألة الثانية: الموافقة للإمام([3]):
إذا توافق المأموم مع إمامه في تكبيرة الإحرام؛ فإن صلاة المأموم لا تصح، وذلك بأن يكبر المأموم مع الإمام تكبيرة الإحرام في وقت واحد ابتداءً وانتهاءً، لأن صلاة الإمام لا تنعقد إلا إذا أتم التكبير، فيكون المأموم في هذه الحالة ائتم بمن لم تنعقد صلاته بعد.
وموافقة المأموم للإمام في التأمين مستحب، أي: يستحب للمأموم أن يؤمن مع الإمام، فلا يؤمن قبل الإمام أو بعد الإمام، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة I أن النبي H قال: «إِذَا قَالَ: الْإِمَامُ: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فَقُولُوا: آمِينَ». وجاء في رواية أخرى في الصحيحين: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا»، ومعناه: إذا شرع الإمام في التأمين فأمنوا.
والجمع بين الروايتين أن يقال: إن المستحب أن يوافق المأموم الإمام في التأمين، لأن تأمين المأموم لأجل قراءة الإمام، لا لأجل متابعته في التأمين، لهذا إذا لم يؤمن الإمام يؤمن المأموم، ولكي يتفق تأمين الإمام والمأموم مع تأمين الملائكة، فيحصل الأجر والفضل المذكور في قول النبي H: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، إذًا ينتظر المأموم حتى يكمل الإمام قول: ﴿ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ﴾ ويرد نفسه، ثم يؤمن حين يظهر له أو يغلب على ظنه أن الإمام سيؤمن ولا يسبقه.
وأما بقية الأفعال والأقوال؛ فإذا وافق المأموم فيها الإمام، فتصح صلاة المأموم مع الكراهة. ووجه الكراهة: أن النبي H أمر بمتابعة المأموم للإمام لا بالموافقة له فقال: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ،...، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ»، والفاء هنا تدل على التعقيب.
ولا تبطل الصلاة؛ لعدم وجود الدليل على بطلان الصلاة في هذه الحالة، ولأنه لم يسبق الإمام، وهذا التفصيل الذي ذكرناه في هذه المسألة هو مذهب جمهور العلماء، وهو الراجح.
المسألة الثالثة: التخلف عن الإمام([4]):
مثلًا: يركع الإمام ويرفع من الركوع، ثم يركع المأموم بعد ذلك، فإذا كان لعذر: نعس المأموم، أو سها، أو عجل الإمام، أو غير ذلك، وحصل التخلف بركن أو ركنين؛ فالذي عليه جمهور أهل العلم أن المأموم يأتي بما فاته، ويعجل، ثم يواصل مع الإمام، وذلك لأن التخلف بركن أو ركنين يعتبر تخلفًا يسيرًا يؤمن معه من فوات المتابعة للإمام في الأفعال التالية، وهو الراجح.
أما إذا تخلف عن إمامه بأكثر من ركنين، فالمذهب عند الحنابلة: أنه لا يأتي بما فاته، ويلغي الركعة، ويتابع الإمام، ويقضيها بعد سلام الإمام، لأن التخلف هنا كثير، فيتباعد عن متابعة إمامه إذا أتى بما فاته.
والصحيح عند الشافعية: أنه إن فاته أكثر من ثلاثة أركان؛ فإنه يلتحق بالإمام ولا يأتي بما فاته، لأنه سيتباعد عن إمامه، فيلغي الركعة، ويقضي بعد سلام الإمام.
ومذهب المالكية ووجه للشافعية والحنابلة: لا بأس أن يأتي المأموم بما فاته، ولو أكثر من ثلاثة أركان إذا أمن أن ركعته التالية لا تفوت مع الإمام، وهذا القول أقيس، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين، وما عليه الحنابلة أحوط.
وأما إذا تخلف عن الإمام عمدًا بغير عذر؛ فإنه يأثم، وقال المالكية وقول للشافعية: تبطل صلاته بتخلفه عمدًا بركن واحد.
وقال الحنابلة، والصحيح عند الشافعية: تبطل بتخلفه عمدًا بركنين؛ لمنافاته للمتابعة، ولا تبطل بتخلفه ركنًا واحدًا؛ لأنه تخلف يسير، فيعفى عنه، وهو الأقرب، والله أعلم.
المسألة الرابعة: جمع المأموم بين التسميع والتحميد([5]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن المأموم يكتفي بالتحميد، ولا يجمع بين التسميع والتحميد، فإذا قال الإمام: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) اكتفى المأموم بقَوْلُهُ: (رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ) إلخ، ولا يقول كإمامه: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، فقد قال النبي H: «وَإِذَا قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) فَقُولُوا: (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ)».
وأما الإمام والمنفرد؛ فيجمعان بين التسميع والتحميد - كما سبق -، فيقول الإمام أو المنفرد: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، ثم يقول: (رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ)، لما جاء من حديث أبي هريرة I في الصحيحين في صفة صلاة النبي H: «ثُمَّ يَقُولُ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: (رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ)».
([1]) المجموع شرح المهذب (4/234)، المغني (2/210)، المحلى [مسألة] (417)، مجموع الفتاوى (23/336)، الإنصاف (2/234)، فتح الباري (2/406، 412)، فتح الباري لابن رجب (6/134-164)، الموسوعة الفقهية (6/29).
([2]) المختارات الجلية (ص/40)، المجموع الثمين (15/114، 117)، فتاوى اللجنة الدائمة (7/326).
([3]) انظر المراجع السابقة، وفتح الباري (2/515).
([4]) المجموع شرح المهذب (4/236)، المغني (2/211)، الإنصاف (2/236)، فتح الباري لابن رجب (6/144)، الموسوعة الفقهية (6/30)، (24/237).
([5]) شرح مسلم (4/161)، المغني (2/189)، فتح الباري (2/540).