وَعَنْ أَنَسٍ, عَنِ النَّبِيِّ H قَالَ: «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ, وَقَارِبُوا بَيْنَهَا, وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(411) 19- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا, وَشَرُّهَا آخِرُهَا, وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا, وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديثين:
حديث أنس I: رواه أبو داود (667)، والنسائي (2/92) وغيرهما، وإسناده صحيح.
حديث أبي هريرة I: رواه مسلم (440).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: تسوية الصفوص في الصلاة([1]):
المراد به عدة معان:
الأول: إتمام الصف الأول قبل الثاني.
الثاني: وصل الصفوف وسد الفرج.
الثالث: المحاذاة والمساواة في الأبدان، كالمنكب والقدم والعنق.
وقد جاء الأمر بتسوية الصفوف والوعيد على ترك ذلك، فأمر النبي H بتسوية الصفوف فقال: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ» وفي رواية: «مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ»، وهو في الصحيحين عن أنس I. وقال أيضا: «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ»، أي: ترص بعضها إلى بعض. وقال: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ»، رواه أبو داود (662)، وإسناده صحيح.
ومن الوعيد الذي جاء في ترك التسوية: ما صح عن ابن عمر L أن النبي H قال: «وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ»، رواه أبو داود (662). وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير I أن النبي H قال: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»، وله معنيان:
المعنى الأول: تحويل الخلقة، فيجعل الوجه موضع القفاء.
المعنى الثاني: تكنية على إلقاء العداوة والبغضاء بينهم، وقد جاء في رواية في صحيح مسلم: «أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ».
وظاهر هذه الأوامر وهذا الوعيد: أن هذه التسوية واجبة، وتركها محرم كما قاله جماعة من المحققين، كابن حزم وابن تيمية وابن حجر وابن رجب والصنعاني وعلماء اللجنة الدائمة والألباني وابن عثيمين([2])، وبوب البخاري بقَوْلُهُ: «إثم من لم يتم الصفوف».
والمنقول عن أكثر العلماء: أن تسوية الصفوف مستحبة لا واجبة.
وقوله في حديث أنس I: «وَقَارِبُوا بَيْنَهَا»، أي: المقاربة بين الصفوف، فاجعلوا المسافة بين الإمام والصف الذي يليه، أو بين الصف والذي بعده قريبة، وهذا الأمر عند الفقهاء للاستحباب، فيستحب أن تكون الصفوف متقاربة مع بعضها البعض.
المسألة الثانية: أفضل صفوف الرجال والنساء([3]):
لا خلاف بين أهل العلم أن الصف الأول هو أفضل صفوف الرجال، وهو الصف الذي يلي الإمام، وقد جاءت أحاديث في فضل الصلاة فيه، منها: ما في الصحيحين عن أبي هريرة I أن النبي H قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا»، أي: لو يعلمون ما فيهما من الخير والفضل والأجر لتنافسوا عليهما حتى يضطروا إلى ضرب القرعة بينهم. وقال أيضا: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا».
ولا خلاف بين أهل العلم ـ فيما نعلم ـ أن آخر صفوف النساء أفضل من أولها، إذا كانت النساء تصلي مع الرجال في مسجد واحد، كما كان هذا في عهد النبي H، وذلك لأن أمان الفتنة منها وعليها يحصل بتأخرها وابتعادها عن آخر صفوف الرجال، وقد قال النبي H: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا»، فأفضل صفوف الرجال الصفوف المتقدمة، وشرها آخرها؛ لأنها أقرب إلى صفوف النساء، ولأنها تدل على عدم العناية بصلاة الجماعة، ولأن الصف فيها يدل على كسل وملل صاحبها إذا داوم عليه. وخير صفوف النساء آخرها؛ فهو أسلم لها من الوقوع في الفتنة، ومن افتتان الرجال بها.
وإذا كانت النساء تصلي مع بعضها البعض؛ فإن صفوف النساء الأُوَل أفضل من المؤخرة، فالحرص على الصفوف المتقدمة يدل على شدة الحرص على الصلاة والاعتناء بها، فتكون في هذه الحالة كالرجال في أفضلية الصلاة في
الصف المتقدم.
([1]) المجموع شرح المهذب (4/225)، شرح مسلم (4/131)، فتح الباري (2/443، 446)، الإنصاف (2/39)، فتح الباري لابن رجب (6/267، 282)، سبل السلام (2/60).
([2]) فتاوى اللجنة الدائمة (8/14)، لقاء الباب المفتوح (3/351)، السلسلة الصحيحة رقم (31).
([3]) المجموع شرح المهذب (4/301)، بداية المجتهد (1/149)، المغني (3/59)، سبل السلام (2/62)، عون المعبود (2/264).