وَعَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ J قَالَتْ: مَا أَخَذْتُ: «ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ»، إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ H يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث أم هشام بنت حارثة: رواه مسلم (873).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: قراءة سورة (ق) في الخطبة([1]):
يستحب أن تقرأ هذه السورة في خطبة الجمعة، فقد كان النبي H يقرأها في خطبة الجمعة، كما ذكرته أم هشام بنت حارثة J، وقولها: «كُلَّ جُمُعَةٍ»، يحمل على أنها تقصد أنه كان يقرأها في كثير من الجمع وليست في كل الجمع، فقد نُقِلت بعض خطب النبي H، وليس فيه أنه قرأ فيها بسورة (ق)، وأيضًا لا يلزم من قراءة النبي H لسورة (ق) في خطبة الجمعة أنه كان يقتصر عليها، فقد روى مسلم عن جابر بن سمرة I أنه قال: «كَانَتْ لِلنَّبِيِّ H خُطْبَتَانِ، يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ»، فخطبة النبي H كان يجمع فيها بين قراءة القرآن والوعظ والتذكير، ولا يقتصر فيها على قراءة القرآن.
فلا بأس أن يقرأ الخطيب سورة (ق) في خطبته، مع بيان بعض أحكامها، أو مع تفسير بعض آياتها، فيجمع في خطبته بين قراءة القرآن وتذكير الناس، كما كان يفعله النبي H.
وسبب إكثار النبي H من قراءة هذه السورة في خطبته: ما احتوت عليه من وعظ وإرشاد عظيم، ففيها: التذكير ببدء الخلق، وبالموت وسكراته، وبالثواب الذي أعده الله D للمؤمنين، وبالعقاب الذي أعده الله D للكافرين، وفيها ذكر الجنة والنار وغير ذلك.
المسألة الثانية: الخطبة بغير اللغة العربية([2]):
اختلف العلماء في هذه المسألة:
فمذهب المالكية، والمذهب عند الحنابلة: يجب على الخطيب أن يخطب باللغة العربية، ولا تصح الخطبة إلا إذا كانت باللغة العربية.
ومذهب الحنفية، وبعض الشافعية: يستحب فقط أن تكون الخطبة باللغة العربية، ولا يجب ذلك، فلا بأس إذا كانت الخطبة بغير اللغة العربية.
وفصَّل بعضهم فقالوا: إذا كان جميع المستمعين لا يعرفون اللغة العربية؛ فلا بأس أن تكون الخطبة بغير العربية، بلغتهم التي يعرفونها، وإذا كان بعض المستمعين يعرفون العربية وبعضهم لا يعرفونها؛ فيجب أن تكون الخطبة باللغة العربية.
وهو الصحيح من مذهب الشافعية، وعليه بعض الحنابلة، وهو وسط بين من يوجبها مطلقًا وبين من لا يوجبها مطلقًا، وهو الراجح، واختاره ابن باز وابن عثيمين([3]).
والدليل على أنه يجب أن تكون الخطبة باللغة العربية: أن النبي H والسلف والخلف كانوا لا يخطبون إلا بالعربية، مع كثرة وسعة الفتوحات في بلاد الأعاجم.
ولا بأس أن يخطب بغير العربية إذا كان جميع السامعين من غير العرب، وذلك لأنه لا فائدة في هذه الحالة من النطق باللغة العربية؛ حيث إن الغرض من حضورهم الخطبة: أن يستمعوا ويفهموا ويتعظوا، فكانت ضرورة.
فإذا خطب باللغة العربية، وكان هنالك من الأعاجم الذين لا يعرفون العربية؛ فلا بأس أن تعاد الخطبة بلغتهم، إما قبل الصلاة، وإما بعد الصلاة، مع الإيجاز؛ حتى يستفيد الناس، كما ذكره بعض أهل العلم.
وأيهما أفضل: أن يترجم لهم قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟
نقول: بحسب المصلحة، إذا كانوا لا ينصرفون بعد الصلاة مباشرة؛ فيترجم لهم بعد الصلاة أفضل حتى لا تتأخر الصلاة، وإذا كانوا سينصرفون مباشرة بعد الصلاة؛ فالأفضل أن يترجم لهم قبل الصلاة لينتفع الجميع، وسواء ترجم لهم الخطيب نفسه، أو ترجم لهم غير الذي خطب.
([1]) شرح مسلم (6/140)، نيل الأوطار (2/549).
([2]) المجموع شرح المهذب (4/522)، الإنصاف (2/390)، الفقه الإسلامي (2/1304)، مجلة البحوث الإسلامية (15/84).
([3]) فتاوى ابن باز (12/371)، الشرح الممتع (5/78).