وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ I قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ H الْعِيدَ, ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ, فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
تخريج الحديث:
حديث زيد بن أرقم: رواه أحمد (4/372)، وأبو داود (1070)، والنسائي (3/194)، وابن ماجه (1310)، وفي سنده ضعف؛ ففيه إياس بن أبي رملة، مجهول العين، لكن الحديث له شواهد ترقيه للحسن، منها ما جاء من حديث أبي هريرة I، رواه أبو داود (1069)، وابن ماجه (1311)، والصواب فيه الإرسال([1])، وما جاء عن عبد الله بن الزبير L وكان على ولاية مكة أنه اجتمع في زمنه عيد وجمعة، فصلى بهم العيد ركعتين، ولم يحضر الجمعة، فعاب عليه بعض الناس، فسألوا ابن عباس فقال: «أصاب السنة»، رواه أبو داود (1071)، وابن خزيمة (1465)، وإسناده صحيح. ورواه عبد الرزاق (3/303)، والفريابي (153) قال ابن عباس: أصاب. ولم يذكر (السنة).
وقول المؤلف في الحديث: «وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَة» لا يسلم له، فلم يجزم ابن خزيمة بتصحيحه وإنما قال: إن صح الخبر؛ فإني لا أعرف إياس بن أبي رملة بجرح ولا تعديل. ا.هـ
فقه الحديث:
مسألة: إذا اجتمع في يوم جمعة وعيد([2]):
ذهب جماعة من الصحابة والتابعين، ومذهب الحنابلة وغيرهم: إلى أنه إذا اجتمع في يوم عيدٌ وجمعةٌ؛ فإن من صلى العيد يرخَّص له في ترك الجمعة ويصلي ظهرًا؛ لما جاء عن زيد بن أرقم I قال: «صَلَّى النَّبِيُّ H العِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الجُمُعَةِ، فَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ»، وفعله عبد الله بن الزبير L، ووافقه على ذلك ابن عباس L وقال: «أصاب السنة». فلعله قصد سنة رسول الله H. ولعله قصد سنة الخلفاء؛ فقد جاء هذا عن عمر وعثمان وعلي M. وجاء في رواية أنه قال: «أصاب» ولم يكذر (السنة).
وهل يرخص للإمام بترك الجمعة؟ فيه قولان:
القول الأول: لا يرخص له إنما يرخص للمستمعين، فقد أقامها رسول الله H، ففي حديث أبي هريرة المذكور في التخريج قال: «إِنَّا مُجَمِّعُونَ» وهو المذهب عند الحنابلة.
القول الثاني: يرخص له كما يرخص لغيره، فعبد الله بن الزبير كان إمامًا للناس في مكة، فترك الجمعة ولم يحضر، وهو رواية لأحمد، وعليه جماعة من فقهاء الحنابلة. والمشقة التي تحصل للحاضرين بسبب الحضور تحصل أيضًا للإمام، وتقام الجمعة في المسجد حتى يحضر من لم يصل العيد؛ لأن الجمعة في حقه واجبة، وكذلك من حضر العيد وأحب أن يصلي صلاة الجمعة.
والغرض من إسقاط وجوب الجمعة على من صلى العيد: لأن في إيجابها على الناس تضييقًا عليهم وتكديرًا لمقاصد عيدهم، ولما يحتاج إليه المسلم في العيد من السعة والانبساط مع أهله.
ومذهب جمهور العلماء: أنها تجب الجمعة ولا تسقط؛ لأن صلاة العيد سنة، فلا تسقط الفرض، ولأن وجوب الجمعة ثابت بيقين؛ فلا يسقط بمثل هذه الأدلة.
وأحاديث الرخصة ضعيفة، وحملها بعضهم على الرخصة لغير أهل المصر ممن حضر العيد كأهل البوادي، ولا يجوز لأحد من أهل المصر.
([1]) تلخيص الحبير (2/94).
([2]) الأوسط (4/289)، المحلى [مسألة] (547)، المغني (3/242)، مجموع الفتاوى (24/210)، الإنصاف (2/403).