عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ I قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ H يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ, فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ, فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا, فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا, حَتَّى تَنْكَشِفَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «حَتَّى تَنْجَلِيَ».
(501) 02- وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ I: «فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ».
تخريج الحديثين:
حديث المغيرة بن شعبة: رواه البخاري (1043)، ومسلم (915).
حديث أبي بكرة: رواه البخاري (1040).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: حكم صلاة الكسوف([1]):
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة وليست واجبة، والأمر بأدائها هو أمر للاستحباب المؤكد، فليس هنالك من الصلوات المفروضة إلا خمس صلوات، وما عداه تطوع.
وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب صلاة الكسوف، فقد صرح بوجوبها الإمام أبو عوانة وبعض الحنفية، وقال الشافعي في كتابه «الأم»: «لا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي»، وحُكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، وقال بعض الحنابلة: «هي واجبة وليست بالفرض». قال ابن رجب: «لعله أراد أنها فرض كفاية». وقال ابن القيم: «القول بالوجوب قوي»، واختاره الشوكاني والألباني([2]) وابن عثيمين([3])، وذلك للأمر بها، فقد ثبت عن النبي H أنه قال: «فَاذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَادْعُوا الله وَصَلُّوا»، وفي رواية: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ»
فالأصح: أن صلاة الكسوف واجبة للأمر بها، وهي من واجبات الكفاية؛ جمعًا بين الأدلة كصلاة الجنازة وصلاة العيد، والله أعلم.
المسألة الثانية: قول أهل الحساب الفلكي في الكسوف([4]):
قال علماء الفلك: يمكن معرفة وقت الكسوف أو الخسوف، وذلك لمعرفة سببه الذي يدرك بالحساب، فإذا توسط القمر بين الشمس والأرض حصل الكسوف للشمس، وهذا لا يكون إلا في أواخر الشهر، وإذا توسطت الأرض بين الشمس والقمر حصل الخسوف للقمر، لأن القمر يستمد ضوءه من الشمس، وهذا الخسوف لا يكون إلا في أواسط الشهر، فلا يحصل كسوف الشمس في غير أواخر الشهر، ولا يحصل خسوف القمر في غير أواسط الشهر، وهذا واقع ومشاهد.
وقد اختلف أهل الشريعة في مقدرة أهل الحساب على معرفة وقته، فقال بعض أهل العلم: إن أهل الحساب ليس لهم قدرة على معرفة وقت حدوث الكسوف أو الخسوف، لأن هذا من الأمور الغيبية، ولأنه ينافي الحكمة من وقوع الكسوف والخسوف، وهي تخويف الله العباد بها، ولأن أهل الحساب يزعمون أن حجم الشمس أضعاف حجم القمر، ويزعمون أن القمر يحول بين الشمس والأرض، فيحصل الكسوف، فكيف يحجب الصغير الكبير؟
وذهب بعض العلماء إلى أن أهل الحساب لهم قدرة على معرفة وقت حدوث الكسوف أو الخسوف، فالكسوف أو الخسوف له أوقات مقدرة، يمكن معرفتها بالحساب الفلكي، كطلوع الهلال، وشروق الشمس وغروبها، والعلم بأوقات الفصول الأربعة، وقد قال D: ﴿ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ ٥ ﴾ [الرحمن: ٥]، وقال D: ﴿ فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ٩٦ ﴾ [الأنعام: ٩٦]، فلا يكون من الأمور الغيبية، ومعرفة أهل الحساب لوقتيهما لا ينافي الحكمة منه، وهي تخويف العباد، فالله D يقدر الشيء بأسبابه لحكمة شرعية، فالكسوف أو الخسوف له أسباب يحصل بها، والحكمة الشرعية من حدوثه: التخويف للعباد، كالصواعق – مثلًا - لها أسباب ويخوف الله E بها العباد، والريح الشديدة تهب بسبب ومن ورائها حكمة شرعية، فالأسباب الكونية لا تنافي الحكم الشرعية، فهما سبب لنزول العذاب، وعلامة له ولحلول البلاء، لكن الله D يصرفه عمن يشاء، كما توجد أزمنة بسببها تنزل البركة والرحمة، كرمضان وذي الحجة، وهو الراجح بلا ريب، والواقع شاهد عليه، وممن اختاره من العلماء المتقدمين: ابن حزم، وابن تيمية، وابن دقيق العيد، وابن القيم، وربما في هذه الأزمنة لا يختلف أهل الشريعة في إمكانيات أهل الحساب من معرفة ذلك، وهذا الحساب أمر ظني، وإخبارهم به لا يترتب عليه حكم شرعي، فلا نصلي صلاة الكسوف إلا إذا شاهدنا الكسوف.
المسألة الثالثة: المطلوب من الناس عند حدوث الكسوف أو الخسوف([5]):
المطلوب منهم المبادرة إلى الطاعة - لا سيما الصلاة - والإكثار من الدعاء والاستغفار والتكبير والصدقة، فهذه العبادات خاصة، ثبت الأمر بها عن النبي H، كما في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة، ومن حديث عائشة وأبي موسى M، فأمر النبي H بالصلاة والاستغفار والدعاء والتكبير والصدقة حتى ينجلي الكسوف ويكشف ما بنا، وهذا الكسوف أو الخسوف علامة على نزول العقاب والبلاء من الله D، فكان الذي ينبغي أن يبادر إلى طاعة الله E ليكشف عن عباده البلاء، فالطاعة تساعد على صرف العذاب والبلاء.
([1]) المجموع شرح المهذب (5/44)، فتح الباري (3/223)، حاشية ابن عابدين (3/65)، الإنصاف (2/443)، السيل الجرار (1/323).
([2]) تمام المنة (ص/261).
([3]) الشرح الممتع (5/237).
([4]) المحلى [مسألة] (555)، مجموع الفتاوى (24/254)، (35/75)، فتح الباري (3/236)، مفتاح دار السعادة (2/206).
([5]) شرح مسلم (6/178)، المغني (3/328)، فتح الباري (3/227، 249).