وَعَنْ عَائِشَةَ J قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ, فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
597 - وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ المُغِيرَةِ نَحْوَهُ, لَكِنْ قَالَ: «فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ».
تخريج الحديثين:
حديث عائشة J: رواه البخاري (1392).
حديث المغيرة I: رواه أحمد (4/252)، والترمذي (1982) وإسناده صحيح ولفظه: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ».
فقه الحديثين:
مسألة: سب الأموات([1]):
قال العلماء: لا يجوز سب أموات المسلمين، فقد نهى النبي H عن ذلك، والنهي يقتضي التحريم، والحكمة من منعه: لأن الأموات قد انتهوا إلى ما عملوا، وسيجازون عليه؛ فلا فائدة من سبهم، ولأن سبهم يؤذي أقاربهم من الأحياء، ففي حديث عائشة: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». وفي حديث المغيرة: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ».
واختلفوا في سب أموات الكفار؛ فقال بعض أهل العلم: يجوز سبهم، فلا حرمة للكافر، وسبهم من التقرب إلى الله والعبادة.
وقال بعض أهل العلم: لا يجوز سبهم، فأدلة النهي عامة -«لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ»-، فيشمل الكافر والمسلم، ولأن المانع من سبهم موجود – أيضًا - عند سب الأموات من الكفار، وهذا القول هو الظاهر.
ولا بأس بسب الميت الكافر أو المسلم الفاسق لمصلحة وفائدة شرعية، فقد لعن الله D فرعون وأبا لهب في القرآن، مع أنهما من الأموات، وفي الصحيحين عن أبي هريرة I في شأن غلام رسول الله أصابه سهم فقتله «فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا»، وفي الصحيحين عن أنس I: «مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ H بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا أَوْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَجَبَتْ»، فلم ينكر عليهم، فلعله كان منافقًا أو معلنًا بالشر؛ فلا حرمة له، فيجوز سبهم إما تحذيرًا من فعلهم، وإما تعريفًا بحالهم حتى يحذر الناس، ولا يكون الغرض الطعن لذاتهم.
([1]) المحلى [مسألة] (594)، فتح الباري (3/632)، عمدة القاري (8/230).