الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ,

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ,
4

وَعَنْ أَنَسٍ L أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ L كَتَبَ لَهُ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ H عَلَى الْمُسْلِمِينَ, وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ: «فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ, فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى, فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ, فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ, فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ, وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.

وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.

وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ, فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ, فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ, إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.

وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ, وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.

وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ, إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ، وَفِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا, وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ, فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ, وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اِسْتَيْسَرَتَا لَهُ, أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا, وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ, وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ, فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ, وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

تخريج الحديث:

حديث أنس I، في كتاب أبي بكر I في الصدقات: رواه البخاري مفرقًا في صحيحه بالأرقام الآتية: (1248، 1450، 1455، 2487، 3106، 5878، 6955)، وجمعه الحافظ ابن حجر V هنا في سياق واحد.

فقه الحديث:

المسألة الأولى: زكاة الإبل([1]):

أجمع العلماء على أنه ليس فيما دون خمس من الإبل زكاة، فإذا كان معه أربع من الإبل؛ فلا زكاة فيها؛ لما جاء في حديث أنس I، قال: «وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا».

وأجمعوا على أن في خمس من الإبل صدقة، والواجب في الخمس من الإبل شاة واحدة، حتى تبلغ الإبل عشرًا؛ ففي العشر شاتان، حتى تبلغ خمس عشرة؛ ففيها ثلاث شياه، حتى تبلغ عشرين؛ ففيها أربع شياه، إلى أربع وعشرين.

ودليله: ما جاء في حديث أنس I.

ولو أخرج مكان الشياه من الإبل؛ فإنه يجزئ عند الجمهور، فيخرج عن الخمس من الإبل بعيرًا بدلًا عن الشاة، ويخرج عن العشر من الإبل بعيرين بدلًا عن الشاتين، وهكذا، وهو الراجح؛ لأن الأصل أن تخرج الزكاة من جنس المال المزكى، وإنما عدل الشرع إلى الشياه فيما بين الخمسة إلى العشرين من الإبل؛ لأجل التخفيف على صاحب المال والتيسير عليه، لا لوجود مانع من إخراج الإبل.

وأجمع العلماء على أن في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، حتى تبلغ ستًّا وثلاثين؛ ففيها بنت لبون، حتى تبلغ ستًّا وأربعين؛ ففيها حقة، حتى تبلغ إحدى وستين؛ ففيها جذعة، حتى تبلغ ستًّا وسبعين؛ ففيها بنتا لبون، حتى تبلغ إحدى وتسعين؛ ففيها حقتان، إلى مائة وعشرين.

وبنت مخاض: هي التي لها سنة ودخلت في الثانية.

وبنت لبون: هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة.

والحقة: هي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، وبلغت أن يطرقها الفحل.

والجذعة: هي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة.

ودليله: مذكور في حديث أنس رضي الله عنه.

واختلفوا فيما زاد على عشرين ومائة من الإبل، والراجح ما عليه جمهور أهل العلم: أن في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة؛ لما جاء في حديث أنس I: «فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ»، وحسابه يكون من البداية، ويحسب بأربعين وخمسين، فإذا كان معه عشرون ومائة من الإبل؛ فيكون معه أربعون وأربعون وأربعون، وفي كل أربعين بنت لبون، وتزاد واحدة في العدد لأجل ما جاء في الحديث، فيقال: في عشرين ومائة من الإبل حقتان، وفي واحد وعشرين ومائة ثلاثة بنات لبون، فإذا كان معه ثلاثون ومائة من الإبل؛ فيكون معه أربعون وأربعون وخمسون، فعليه: في الأربعين بنت لبون، وفي الخمسين حقة، فيلزمه بنتا لبون وحقة، ويستمر كذلك إلى أربعين ومائة، وهي عبارة عن خمسين وخمسين وأربعين، فيلزمه حقتان وبنت لبون وهكذا.

المسألة الثانية: زكاة الغنم([2]):

أجمع العلماء على أن في الغنم زكاة - والغنم: هو الضأن والمعز -، ففي الأربعين منها إلى عشرين ومائة شاة واحدة، ولا شيء عليه فيما دون أربعين من الشياه، فإذا زادت عن عشرين ومائة إلى مائتين؛ ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة؛ ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت؛ ففي كل مائة شاة، لحديث أنس I.

وإنما حصل الخلاف في السن التي تخرج من هذه الشياه؛ فقال الشافعية والحنابلة، وجماعة من الحنفية: تؤخذ في زكاة الغنم الجذعة من الضأن والثنية من المعز، قياسًا على ما يجزئ في الأضحية، ولما جاء عن سويد بن غفلة I قال: «أمرنا أن نأخذ جذعة من الضأن وثنية من المعز».

وقال المالكية: يجزئ من الضأن والمعز الجذعة والثنية بلا فرق، فقد روى أحمد (3/415)، وأبو داود (1578) عن سعر بن ديسم I: «أن رسول الله H أمر أن يؤخذ من الغنم جذعة أو ثنية»، وسنده ضعيف؛ فيه رجل مجهول([3]). ولا يستقيم قياسه على الأضاحي، وحديث سويد بن غفلة رواه أحمد (4/315)، وأبو داود (1576)، والنسائي (2456)، وابن ماجه (2801) وغيرهم، وهو حسن لغيره، ولكن ليس فيه عندهم الأمر بأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز، فلعله وهم من بعض الفقهاء، قال النووي V: «رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، ولم يذكروا الجذعة والثنية، وليس فيه دليل للجذعة والثنية» إهـ.

فالأرجح - والله أعلم - ما عليه فقهاء المالكية، فيجزئ من الضأن والمعز الجذعة والثنية، وليس في حديث أنس I التفريق بين المعز والضأن.

والزكاة في الإبل والغنم تكون في السائمة منها، وهي التي ترعى، وأما المعلوفة؛ فسيأتي الكلام عليها.

المسألة الثالثة: إذا وجبت على صاحب المال سن من الإبل معينة وليست عنده([4]):

إذا كانت الموجودة أدنى من الواجبة عليه أخذها الساعي ومعها شاتان أو عشرون درهمًا، مثلًا: عليه جذعة وليست عنده، ومعه حقة؛ فتقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين أو عشرين درهمًا، جبرانًا للنقص.

وإذا كانت أعلى من الواجبة عليه؛ فيعطيها الساعي، ويدفع الساعي لصاحب المال شاتين أو عشرين درهمًا، مثلًا: عليه حقة ومعه جذعة، فتقبل منه الجذعة ويعطيه الساعي شاتين أو عشرين درهمًا، عوضًا عن الزيادة. وهذا هو الموجود في حديث أنس I: «وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اِسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ المُصَّدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ»، ولا يكلَّف صاحب المال بشراء السن المعينة اللازمة عليه، بل يدفع ما معه، ويحصل الجبران - كما سبق -. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية وعامة أصحاب الحديث، وهو الراجح.

المسألة الرابعة: الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع خشية الزكاة([5]):

هذه المسألة لها صورتان:

الصورة الأولى: الجمع بين المتفرق خشية الزكاة.

وهذا لا يجوز بلا خلاف بين العلماء، لأن فيه حيلة لإسقاط الزكاة أو تنقيصها، وقد نُهِي عنه ففي حديث أنس I: «وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ»، مثلًا: شخص معه أربعون شاة مستقلة، وآخر معه أربعون شاة مستقلة؛ فيلزم على كل واحد منهما في الزكاة شاة؛- لأن في الأربعين شاةً شاةٌ-، فيتفقون على جمعها إذا جاء الساعي، فيصير هذا المال كالمال الواحد؛ فلا تلزم فيه إلا شاة واحدة.

وأما إذا كان المال المتفرق لمالك واحد؛ فتجمع لبعضها ويزكى على الجميع، ولو اختلف مكان وجودها؛ لأنها لمالك واحد، وعلى هذا جمهور العلماء، مثلًا: شخص معه أربعون شاة في بلد، ومعه أيضًا - أربعون شاة في بلد أخرى، فعند الزكاة تضم لبعضها، ولا تلزم عليه إلا شاة واحدة على الراجح، لأن المراد بالحديث في الجمع بين المتفرق: ما إذا كان المالك أكثر من واحد.

الصورة الثانية: التفريق بين المجتمع خشية الزكاة.

لا يجوز أيضًا؛ ففيه حيلة على الزكاة، مثلًا: شخص معه ثلاثون من الشياه، وآخر معه ثلاثون من الشياه، وهي مختلطة مع بعضها باعتبار اشتراكها في المرعى والمسرح والمشرب والمبيت والفحل؛ فتجب عليهما الزكاة، لأن مجموعها ستون شاة، فتلزم عليها شاة واحدة، ولا يجوز تفريق هذا المجتمع؛ لأن كل واحد منهما لا زكاة عليه وحده؛ لأن نصاب الغنم أربعون شاة، وهذا مذهب جماعة من أهل العلم، منهم الشافعية والحنابلة، وهو الراجح؛ لما في حديث أنس I: «وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ»، فيكون هذا الحديث مستثنى من عموم الأدلة المشترطة لبلوغ النصاب عند إخراج الزكاة؛ لأن الأصل أنه لا يجوز للساعي أن يأخذ الصدقة من مال إلا بعد بلوغ النصاب.

وإذا كان لكل واحد منهما ما بلغ النصاب وهي مختلطة مع بعضها؛ فتلزم الزكاة على المال مجتمع، لأن الخلطة تؤثر في الزكاة، كما يفهم من كتاب أبي بكر رضي الله عنه، وعلى هذا جمهور أهل العلم، وهو الراجح. مثلًا: شخص معه أربعون شاة، وآخر معه أربعون شاة، وبينهما خلطة فيما سبق ذكره، فتلزم عليهما شاة واحدة؛ فلا يجوز للساعي أن يفرق بين المجتمع لتزداد الزكاة، فلو نظرنا نصيب كل واحد منهما؛ للزم على كل واحد منهما شاة، فليس في الجمع هنا حيلة لإسقاط الزكاة أو تنقيصها، وإذا أخرجت الزكاة من الشركاء، فيتراجع الشركاء فيما بينهم بحسب حِصَصهم من المال، ففي كتاب أبي بكر I قال: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ»، مثلًا: خليطان: أحدهما يملك ثلاثين شاة، والآخر يملك ستين شاة؛ فتلزمهما عند الزكاة شاة واحدة، ثلثها على الأول، وثلثاها على الثاني. مثال آخر: شخص معه أربعون، وآخر معه أربعون، وبينهما خلطة؛ فعليها شاة واحدة، على كل منهما نصف شاة.

المسألة الخامسة: ما يُجتَنَب في الزكاة([6]):

أجمع العلماء على أنها لا تؤخذ الهرمة - وهي كبيرة السن التي سقطت أسنانها -، ولا تؤخذ ذات العوار - وهي المعيبة والمريضة -؛ لما في أخذها من الإضرار بالفقراء، إلا إذا رأى الساعي أن في أخذها مصلحة للفقراء، وهي أنفع، لهم كما لو كانت الهرمة أو المعيبة سمينة، والفقراء مجموعة، وكلهم يحتاج منها، فلا بأس بأخذها.

ودليل كل هذا: ما في حديث أنس: «وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَة وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ المُصَّدِّقُ»، والمصَدِّق - على رواية تخفيف الصاد -: هو الساعي.

ويجتنب تيس الغنم باتفاق الفقهاء، وهو فحل الغنم، فقد جاء في كتاب أبي بكر I عن رسول الله H قال: «وَلَا تَيْسٌ إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ»، ولم يذكر الحافظ ابن حجر V هذه الرواية.

وإنما اختلفوا في العلة من منع أخذه؛ فقيل: لأن صاحب المال يحتاج إليه، ففي أخذه إضرار به، فلا يؤخذ إلا برضاه.

وقيل: يمنع لدناءته وفساد لحمه، فلا يعطى إلا برضا الساعي، فبحسب اختلافهم في ضبط لفظ «المصدق» اختلفوا في العلة، إما أن يكون بتشديد الصاد؛ فيكون المراد: المالك، وإما بتخفيف الصاد؛ فيكون المراد: الساعي.

ويجوز أن يمنع من أخذه للمعنيين كما ذكره بعض الفقهاء، فعليه يشترط في أخذه: رضا المالك والساعي؛ لاختلافهم في ضبط لفظ «المصدق».

وسيأتي الكلام على زكاة الذهب والفضة فيما بعد.

 

([1]) المحلى (6/30-40)، المجموع شرح المهذب (5/389-400)، المغني (4/11-20)، بداية المجتهد (1/259).

([2]) المغني (4/38، 49)، المجموع شرح المهذب (5/397، 399)، بدائع الصنائع (2/32)، الاستذكار (9/182).

([3]) ضعفه الألباني في الإرواء (796).

([4]) المجموع شرح المهذب (5/410)، المغني (4/25)، المحلى [مسألة] (675)، فتح الباري (4/78).

([5]) المغني (4/52، 63)، المحلى [مسألة] (681)، بداية المجتهد (1/263)، فتح الباري (4/71).

([6]) المجموع شرح المهذب (5/397، 418، 425)، المغني (4/40)، بداية المجتهد (1/262)، فتح الباري (4/80).

4 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة