وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ: فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ, لَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا, مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجْرُهُ, وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ, عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا, لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ, وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى ثُبُوتِهِ.
تخريج الحديث:
حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: رواه أحمد (5/2)، وأبو داود (1572)، والنسائي (5/15) وإسناده حسن، قال الإمام أحمد: «هو عندي صالح الإسناد»([1]).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: عقوبة الممتنع عن أداء الزكاة([2]):
ذهب بعض أهل العلم إلى ظاهر حديث بهز بن حكيم فقالوا: إذا أبى صاحب المال دفع الزكاة؛ فإنها تؤخذ منه بالقوة، ويؤخذ شطر ماله معها؛ عقابًا له لامتناعه عن أدائها، فقد قال رسول الله H: «وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ»، أي: يؤخذ مع الزكاة عقوبة له.
وقال جمهور أهل العلم: لا تؤخذ منه إلا الزكاة المفروضة فقط، لأن الأصل أن أموال الناس محرمة، ولم ينقل عن الصحابة أنهم أخذوا زيادة على الزكاة من الأعراب الذين امتنعوا من أدائها في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد أن تمكنوا منهم.
وردوا على حديث بهز بن حكيم بالآتي:
- أنه حديث ضعيف، قال الإمام الشافعي: «هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث»([3]) إهـ.
- أنه حديث منسوخ، ويدل على نسخه: أن الصحابة لم يعملوا بظاهره كما نقل عنهم آنفًا.
- أن الراوي وهِم في لفظه، فبهز بن حكيم تكلم فيه بعض أهل العلم بأنه يَهِم ويخطئ، والصواب في لفظ الحديث: «فَإِنَّا آخِذُوهَا مِنْ شَطْرِ مَالِهِ»([4])، أي: بجعل ماله شطرين، فتؤخذ الزكاة من خير الشطرين، عقوبة له من غير زيادة.
وهو الراجح والله أعلم، ولا بأس أن يعاقب بأن تؤخذ من أحسن ماله.
ولا يؤجر إذا أخذت منه قهرًا، وإن كانت مقبولة في الظاهر كما نص عليه جماعة من أهل العلم، فإنما الأعمال بالنيات وفي هذا الحديث: «مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجْرُهُ»، ومعناه: من أعطاها قاصدًا للأجر من الله؛ فقد وقع له الأجر، فيفهم منه: أن من لم يقصد ذلك؛ فلا أجر له، ولو أخذت منه.
المسألة الثانية: زكاة الأنعام المعلوفة([5]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنها لا تؤخذ الزكاة من الأنعام المعلوفة، وإنما تؤخذ من السائمة، وهي التي ترعى، فقد قال رسول الله H: «فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ: فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا»، فقيد وجوب الزكاة في الإبل بالسائمة.
وقَوْلُهُ: «ولا تفرق إبل عن سائمتها» أي: لا تفرق إذا كانت مجتمعة خشية الصدقة - كما سبق ذكره -. وفي كتاب أبي بكر I: «وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ سَائِمَتِهَا»، فجعل الصدقة في الغنم إذا كانت سائمة، ودخل فيه البقر بالقياس عليهما؛ لعدم وجود الفارق، فجميعها من جنس واحد وهو الأنعام.
ولو أخرج زكاة المعلوفة؛ فهو حسن.
فإذا كانت ترعى في بعض السنة، وتعلف في بعضها الآخر؛ فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها إذا علفت أكثر السنة؛ فلا زكاة فيها، وإذا رعت أكثر السنة؛ ففيها زكاة، عملًا بالأغلب، فالأقل يأخذ حكم الأكثر، فإذا رعت أكثر السنة؛ ففيها زكاة؛ لأنها لا زالت تسمى سائمة، وإن حصل الإعلاف في بعض الأحيان، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، ووجه للشافعية.
وإذا تساوت بين الإعلاف والسوم؛ فتخرج زكاة لنصف السنة.
([1]) المغني لابن قدامة (4/7)، وحسنه الألباني في الإرواء (791).
([2]) المغني (4/7)، المجموع شرح المهذب (5/335)، عون المعبود (4/318)، الشرح الممتع (6/186).
([3]) تلخيص الحبير (2/170).
([4]) المرجع السابق.
([5]) المغني (4/12)، المجموع شرح المهذب (5/357)، المحلى [مسألة] (678)، الاستذكار (9/147)، مجموع الفتاوى (25/32)، الشرح الممتع (6/54).