وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ; وَمُعَاذٍ L; أَنَّ النَّبِيَّ H قَالَ لَهُمَا: «لَا تَأْخُذَا فِي الصَّدَقَةِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ, وَالْحِنْطَةِ, وَالزَّبِيبِ, وَالتَّمْرِ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ, وَالْحَاكِمُ.
(617) 20- وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ, عَنْ مُعَاذٍ: فَأَمَّا الْقِثَّاءُ, وَالْبِطِّيخُ, وَالرُّمَّانُ, وَالْقَصَبُ, فَقَدْ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ H. وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
تخريج الحديثين:
حديث أبي موسى ومعاذ L: رواه الدارقطني (2/98)، والحاكم (1/401)، والبيهقي (4/125)، ورواه ابن أبي شيبة (2/371)، والبيهقي عن أبي موسى ومعاذ L: «أَنَّهُمَا حِينَ بُعِثَا إِلَى الْيَمَنِ لَمْ يَأْخُذَا إِلا مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ»، هكذا بدون ذكر النبي H، وهذا موقوف وهو الأصح، وله حكم الرفع؛ لأنهما فعلاه في زمن النبي H.
وللحديث طريق أخرى عن موسى بن طلحة قال: «عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ H أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ»، رواه ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي، ورجاله ثقات، قال الشيخ الألباني: «هذه رواية عن طريق الوجادة، وهي حجة على الراجح»([1]) إهـ.
وللدارقطني (2/97) عن معاذ: «فَأَمَّا القِثَّاءُ...» وإسناده ضعيف جدًّا؛ ففيه إسحاق بن يحيى بن طلحة، متروك، وأيضًا في سنده انقطاع.
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: الثمار والحبوب التي تخرج منها الزكاة([2]):
ذهب جماعة من السلف، منهم ابن عمر والحسن وابن سيرين ومجاهد، وأحمد في رواية، وجماعة من المحققين، كالصنعاني والشوكاني والألباني والوادعي: إلى أن الزكاة في الثمار والحبوب لا تؤخذ إلا من الحنطة - البر- والشعير والزبيب والتمر، ولا تؤخذ الزكاة من غيرها؛ لظاهر حديث أبي موسى ومعاذ L، فلم يأخذا الزكاة من أهل اليمن إلا من هذه الأربع، ولو وجب الأخذ من غيرها؛ لأمرهما النبي H بأخذ الزكاة منها، فهذا الحديث مخصص لعموم الأدلة، ولأن هذه الأربعة هي غالب الأقوات، ولا يساويها في هذا المعنى وفي كثرة نفعها شيء.
وذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب الزكاة في غير هذه الأربعة، لعمومات الأدلة، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد I: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ». وما جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد I: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ»، ولم يأخذ أبو موسى ومعاذ L الزكاة من أهل اليمن إلا من الأربعة المذكورة؛ لأنها التي كانت تزرع عند أهل اليمن بكثرة، وإنتاجها عندهم وافر.
واختلفوا فيما يلحق بهذه الأربعة من الحبوب والثمار بحسب اختلافهم في علة أخذ الزكاة في الثمار والحبوب؛ فقال بعض الحنفية والحنابلة في الصحيح عندهم: تؤخذ الزكاة من كل ما يكال ويدخر من الثمار والحبوب، ولو لم يكن قوتًا كالأربعة المذكورة والأرز والذرة والدخن والعدس واللوز والجوز والمشمش، لأن الأصناف المذكورة في حديث أبي موسى ومعاذ L كلها مما يدخر، أي: ييبس ويبقى لفترة من الزمن، ويشترط أن تكون مكيلة لحديث: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، فيفهم منه اعتبار التوسيق، فتؤخذ الزكاة مما يوسق من الثمر والحب، أي: مما يكال، فعليه: لا زكاة في الفواكه؛ لأنها لا تكال ولا تدخر.
وقال المالكية والشافعية: تجب الزكاة في كل ما يقات ويدخر من الحبوب والثمار؛ لأن الأربعة المذكورة كلها مما يقات ويدخر، فلا تجب الزكاة في غير الأقوات ولو كان يؤكل، فعليه: لا تجب الزكاة في الثمار إلا في التمر والزبيب، وتجب الزكاة في الحبوب في الشعير والحنطة وغيرهما مما يقات ويدخر كالأرز والذرة والعدس.
والمشهور عند الحنفية وبعض الظاهرية: تخرج الزكاة من كل ما أنبتت الأرض؛ لعمومات الأدلة.
والأرجح - والله أعلم - أن الزكاة لا تؤخذ من الثمار إلا من الزبيب والتمر، وتؤخذ من الحبوب من الحنطة والشعير وغيرها، ففي حديث أبي سعيد I: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ»، ولفظ «حَبٍّ» عام يشمل جميع الحبوب، ويعتبر فيها ما يقات ويدخر كما قال المالكية والشافعية؛ قياسًا على الحنطة والشعير، فهما مما يقات ويدخر.
المسألة الثانية: زكاة الخضروات والفواكه([3]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا زكاة فيها، فلم ينص الشرع على أخذ الزكاة منها، وليس فيها العلة الموجودة في الأربعة الأصناف السابقة حتى تقاس عليها، وقد قال معاذ: «فَأَمَّا القِثَّاءُ، وَالبِطِّيخُ، وَالرُّمَّانُ، وَالقَصَبُ، فَقَدْ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ H ». وجاء عن النبي I أنه قال: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَوَاتِ صَدَقَةٌ»،رواه الترمذي (633)، والدارقطني (2/45)، والبيهقي (4/125) وصححه، وحسنه بعض العلماء([4]), وضعفه بعضهم، وهو الأقرب، قال الترمذي: «ليس يصح في هذا الباب شيء». ا.هـ
المسألة الثالثة: زكاة العسل([5]):
اختلف العلماء في وجوب الزكاة فيه، والأقرب أنه لا زكاة في العسل، لأن الأحاديث فيه غير صحيحة، وروى البيهقي (4/127) عن طاوس عن معاذ بن جبل I قال: «أَتَى بِوَقْصِ الْبَقَرِ وَالْعَسَلِ حِسْبَتَهُ، فَقَالَ مُعَاذٌ I: كِلاهُمَا لَمْ يَأْمُرْنِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ H بِشَيْءٍ»، ورجال إسناده ثقات، إلا أن طاووسًا لم يلق معاذًا I. وأما ما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود (1599)، والنسائي (5/46) وغيرهما بإسناد حسن قال: «جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ H بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ، فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ H ذَلِكَ الْوَادِي، فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ I كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ I: إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ H مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشَاءُ»، فيحمل هذا على أن هلالًا جاء بها إلى رسول الله H متطوعًا وحمى له الوادي بمقابله، وقد عقل عمر I هذا المعنى، فكتب إلى عامله يأمره بأن يحمي له الوادي إن أدى إليه العشر، وإلا فلا.
وجاء عن سعيد بن أبي ذباب قال: استعملني رسول الله H وأبو بكر وعمر على قومي، فلما قدم عليهم قال: يا قوم أدوا زكاة العسل. قالوا: كم؟ قال: العشر. فأخذه إلى عمر فأخبره بما كان، فأخذه عمر فجعله في صدقات المسلمين. رواه البيهقي (4/127) وغيره، وفي سنده ضعف. وهذا شيء رآه سعيد فتطوع له به قومه، ولم يأمر به رسول الله وقبله عمر كصدقة تطوع، بدليل أنه اشترط في عسل هلال أن يحمى. وأما ما جاء عن رسول الله H أنه أخذ من العسل العشر. رواه أحمد (4/236) والترمذي (3/100) وابن ماجه (1824) وغيرهم؛ فهو حديث ضعيف، ضعفه الشافعي وأحمد والبخاري والترمذي وغيرهم. وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما.
وذهب أبو حنيفة والإمام أحمد وغيرهما إلى وجوب الزكاة فيه، فالأحاديث الضعيفة يقوي بعضها بعضًا، وأيضًا أخذ به عمر I، ويخرج منه العشر عند الحنابلة، كما جاء منصوصًا عليه في الأحاديث السابقة.
([1]) الإرواء (801).
([2]) الاستذكار (9/258)، المجموع شرح المهذب (5/456)، المغني (4/155)، كتاب الأموال لأبي عبيد (ص/567).
([3]) الاستذكار (9/273)، فتح الباري (4/116)، كتاب الأموال (ص/602).
([4]) الإرواء (801).
([5]) الاستذكار (9/286)، المغني (4/183)، فتح الباري (4/114)، زاد المعاد (2/13)، نصب الراية (2/391)، تمام المنة (ص/374).