وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ L قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ, فَأَخْبَرْتُ
رَسُولَ اللَّهِ H أَنِّي رَأَيْتُهُ, فَصَامَ, وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ.
(655) 06- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ L: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ H فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ, فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ?» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ?» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَا بِلَالُ أَنْ يَصُومُوا غَدًا». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ.
تخريج الحديثين:
حديث ابن عمر L: رواه أبو داود (2342) وغيره وإسناده حسن.
حديث ابن عباس L: رواه أبو داود (2341)، والنسائي (4/132)، والترمذي (691)، وابن ماجه (1652) وغيرهم، ولم نقف عليه في ”مسند أحمد“، وقد روي الحديث متصلًا ومرسلًا، والصواب فيه الإرسال كما صححه النسائي وأبو داود والترمذي([1]).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: الشهود على رؤية هلال رمضان([2]):
قال جمهور أهل العلم: يقبل في إثبات رؤية هلال رمضان قول رجل واحد عدل، ويلزم الناس الصيام لقوله، ولا يشترط فيه شهادة اثنين، ففي حديث ابن عباس L أن النبي H أمر الناس بالصوم لشهادة أعرابي يؤمن بالله والرسول. ورأى ابن عمر الهلال فصام النبي H وأمر الناس بصيامه، فظاهره: الاكتفاء برؤية ابن عمر L وحده، ولأن هذا من باب الإخبار لا من باب الشهادة، والخبر يقبل فيه نقل الواحد العدل وليس كالشهادة، وهو الأرجح.
ومذهب مالك، وقول للشافعي، ورواية لأحمد: أنه لابد من شاهدين عدلين؛ لما رواه أحمد (4/321) وغيره عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: خَطَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَالَ: أَلَا إِنِّي قَدْ جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ H، وَسَأَلْتُهُمْ، أَلَا وَإِنَّهُمْ حَدَّثُونِي، أَنَّ رَسُولَ اللهِ H قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَنْسِكُوا لَهَا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ، فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا ». وسنده ضعيف.
المسألة الثانية: شهادة المرأة في رؤية هلال رمضان([3]):
مذهب الحنفية، والصحيح عند الحنابلة، ووجه للمالكية والشافعية، واختيار ابن حزم: أن شهادة المرأة الموثوق بها تقبل في إثبات رؤية هلال رمضان؛ لأنه خبر ديني، والخبر لا يشترط في نقله الذكورية، فيكتفى بثقة الناقل، سواء كان ذكرًا أم أنثى، وهو الراجح.
والمشهور عند المالكية، والأصح عند الشافعية: أن شهادتها لا تقبل؛ لأن الشهادة على رؤية هلال رمضان مما يطلع عليه الرجال غالبًا، فلا تقبل إلا شهادة الرجال.
المسألة الثالثة: الشهود على رؤية هلال شوال([4]):
قال جمهور أهل العلم: لا بد من شاهدين عدلين لإثبات رؤية هلال شوال، ولا يكتفي الناس برؤية فرد واحد ولو كان عدلًا، فقد روى أحمد (4/314)، وأبو داود (2339) عن رجل من الصحابة قال: «أَصْبَحَ النَّاسُ لِتَمَامِ ثَلاَثِينَ يَوْمًا، فَجَاءَ أَعْرَابِيَّانِ، فَشَهِدَا أَنَّهُمَا أَهَلاَّهُ بِالأَمْسِ عَشِيَّةً، فَأَمَرَ رَسُولُ الله H أَنْ يُفْطِرُوا»، وإسناده صحيح. وثبت عن عمر I أنه قال: «لا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ»، رواه ابن أبي شيبة (2/321)، وعبد الرزاق (4/162)، وأيضًا احتياطًا لرمضان، فلا يخرج منه إلا بيقين، ولأن رؤية هلال شوال فيه نفع دنيوي للعباد وهو الفطر، فأشبه سائر حقوقهم، فكان من الشهادة؛ فيشترط فيه شاهدان، وهو الأرجح.
([1]) وهو الذي اختاره الألباني في الإرواء (907).
([2]) بداية المجتهد (1/287)، المجموع شرح المهذب (6/277)، المغني (4/416)، فتح الباري (4/618)، الإنصاف (3/273).
([3]) المجموع شرح المهذب (6/277، 284)، المغني (4/419)، المحلى مسألة (757)، حاشية ابن عابدين (3/315)، مواهب الجليل (3/280).
([4]) المجموع شرح المهذب (6/281)، المغني (4/419)، بداية المجتهد (1/286).