وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ L, عَنِ النَّبِيِّ H قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, وَمَالَ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ, وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ.
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اللَّيْلِ».
(657) 08- وَعَنْ عَائِشَةَ J قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ H ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ?» قُلْنَا: لَا. قَالَ: «فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ»، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ, فَقُلْنَا: أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ, فَقَالَ: «أَرِينِيهِ, فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا»، فَأَكَلَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديثين:
حديث حفصة J: رواه أحمد (6/287)، وأبو داود (2454)، والنسائي (4/197)، والترمذي (730)، وابن ماجه (1700) وغيرهم، وقد رجح أكثر الأئمة فيه الوقف، وصححه بعض الأئمة مرفوعًا([1]).
حديث عائشة J: رواه مسلم (1154).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: نية واحدة لصيام رمضان([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن النية في الصوم في أول رمضان لا تكفي لكل يوم من رمضان، فلا بد من تجديد نية الصوم في كل يوم من رمضان؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة لا يرتبط بعضها ببعض، بدليل أنه يفصل بين أيامه بما لا يجوز للصائم فعله وهو صائم من أكل وشرب وجماع، ولا يفسد صوم يوم بفساد صوم يوم آخر، فخالف الصلاة والحج.
المسألة الثانية: متى تكون النية لصيام كل يوم من رمضان([3])؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يصح صوم يوم من رمضان إلا باستحضار نية الصوم من الليل، فنية الصيام لكل يوم وقتها من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وذلك لأن الصيام يبدأ من طلوع الفجر، والنية تكون قبل العمل فهي من الليل، وفي حديث حفصة: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»، ومعناه: من لم ينو الصوم قبل الفجر؛ فلا يصح صومه. ويفهم منه: أن النية لا تكون إلا في الليل، لقوله: «لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ»، والبيتوتة وقتها من الليل، وهو الراجح، وعليه: من نام أو نسي أن ينوي الصوم في أي جزء من الليل حتى طلع الفجر؛ فإن صومه لا يصح.
المسألة الثالثة: النية في صيام التطوع([4]):
قال جمهور أهل العلم: تجزئ النية في صيام النافلة في نهار اليوم الذي سيصام، بشرط أن يكون من أراد الصوم مجتنبًا لمبطلات الصوم من طلوع الفجر، فلا يكون أكل أو شرب أو جامع من الفجر، واستدلوا بحديث عائشة J قالت: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ H ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ -أي يأكله أو يشربه- قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ»، قوله: «إذًا» ظرف للزمان الحاضر، ومعناه: أنه أنشأ نية الصيام من النهار، وقد ثبت عن جماعة من الصحابة، كأبي الدرداء وأبي طلحة وابن مسعود وأبي هريرة وابن عمر M أنهم قالوا: «يصح صوم التطوع بالنية من النهار»([5])، والتطوع مبني على التخفيف، وقد يجب في الفرائض ما لا يجب في التطوع، مثلًا: الصلاة، تصح لمن صلى جالسًا بدون عذر في النافلة، ولا تصح في الفريضة.
وحديث حفصة J يجاب عليه بجوابين:
الأول: أن الحديث أعل بالوقف.
الثاني: أنه يحمل على صيام الفريضة؛ جمعًا بينه وبين حديث عائشة J.
وما ذهب إليه جمهور أهل العلم هو الراجح.
وله أن ينوي من أي وقت من النهار، سواء قبل الزوال أو بعده، على الصحيح من أقوال أهل العلم، فلا فرق في الإجزاء بين أول النهار وآخره، وهو المذهب عند الحنابلة، ووجه للشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ويكون له من الأجر بقدر ما يصومه من النهار، فهذا هو عمله.
المسألة الرابعة: إذا أبطل الصائم صوم النافلة بغير عذر([6]):
جاء في حديث عائشة J أن النبي H أتاها وعندها طعام أهدي لهم، فقال: «أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ»، ففيه: أن النبي H أفطر بعد أن أصبح صائمًا، فيستفاد منه: أنه يجوز للصائم أن يفطر من النهار ويُبطل صومه إذا كان صوم نافلة، ولا يجب عليه إتمام صومه، وهو الراجح، وهو المذهب عند الشافعية والحنابلة، وقول للمالكية.
والقول الثاني: أنه يجب إتمامه ولا يجوز إبطاله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ ﴾ [محمد: ٣٣] وهو المشهور عند الحنفية والمالكية، ورواية لأحمد.
ويرد عليه: أن حكم النهي في الآية بحسب العمل؛ فإذا كان واجبًا حرم إبطاله لوجوب الإتمام، وإن كان مستحبًّا كره قطعه ولا يحرم؛ لأنه ليس واجبًا أصلًا.
([1]) تلخيص الحبير (2/200)، نصب الراية (2/434).
([2]) المجموع شرح المهذب (6/300)، المغني (4/337)، المحلى مسألة (728)، فتح الباري (4/643).
([3]) المجموع شرح المهذب (6/301)، المغني (4/333)، كتاب الصيام من شرح العمدة لابن تيمية (1/184).
([4]) المغني (4/340)، المجموع شرح المهذب (6/292، 306)، فتح الباري (4/641)، الشرح الممتع (6/358)، الإنصاف (3/297).
([5]) رواها ابن أبي شيبة (2/289)، عبد الرزاق (4/272).
([6]) بداية المجتهد (1/311)، المجموع شرح المهذب (6/394)، المغني (4/410)، الإنصاف (3/352)، فتح القدير (2/360).