وَعَنْ عَائِشَةَ J قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ, وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ, وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: فِي رَمَضَانَ.
تخريج الحديث:
حديث عائشة: رواه البخاري (1927)، ومسلم (1106)، وزاد مسلم في رواية: «فِي رَمَضَانَ».
فقه الحديث:
المسألة الأولى: إنزال الصائم للمني عمدا([1]):
أجمع العلماء على أن من جامع امرأته وهو صائم أن صومه يفسد، وأنه يأثم إذا كان في رمضان، فقد قال الله : ﴿ أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡ... الآية ﴾ [البقرة: ١٨٧].
وكذلك يفسد الصوم بإنزال المني بغير الجماع، كإنزاله بالاستمناء، أو بمباشرة المرأة بدون الفرج عند جمهور أهل العلم؛ لأن المعنى المقصود من الجماع قد وجد في هذه الحالة، وهو قضاء الشهوة، وفي الصحيحين في الحديث القدسي: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي»، ومن أخرج المني بشهوة عامدًا لم يترك شهوته لأجل الله ، فأشبه الآكل والشارب عمدًا، وهو الراجح.
المسألة الثانية: القُبلة والمباشرة دون الفرج للصائم([2]):
لا خلاف بين أهل العلم أن الصائم إذا كان ممن لا تحرك القبلة والمباشرة شهوته كالشيخ الكبير والشاب ضعيف الشهوة؛ أنه لا يحرم عليه ذلك، ولو كان صائمًا في رمضان، فقد روى أبو داود (2387) بإسناد صحيح عن أبي هريرة I: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ H عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ، فَنَهَاهُ، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَالَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ»([3]).
أما إذا كان ممن تتحرك شهوته بالقبلة أو المباشرة؛ فله حالتان:
الحالة الأولى: أن يخشى على صومه الفساد بخروج المني أو الوقوع في الجماع؛ فهذا تحرم عليه القبلة والمباشرة عند جمهور أهل العلم، وهو الراجح؛ سدًا للذريعة واحتياطًا للصوم.
الحالة الثانية: ألا يخشى على صومه الفساد؛ لأمْنِه من خروج المني أو الوقوع في الجماع، وهذه الحالة فيها خلاف بين العلماء، والصحيح: أنه يجوز له في هذه الحالة القُبلة والمباشرة مع الكراهة، وهو مذهب مالك، ووجه للشافعية، والأصح عند الحنابلة؛ جمعًا بين الأدلة، فقد قالت عائشة J: «كَانَ
رَسُولُ الله H يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ»، مع ما عرف عن النبي H من قوة شهوته، وعللت J بأن النبي H أملك لإربه، أي: يملك نفسه، فلا يقع في الجماع، وكان يقبل ويباشر عائشة J وهي شابه، وقد جاء في رواية عنها أن هذا كان في رمضان، فيفهم منه: أنها كانت حينها صائمة، وقد روى مسلم عن عمر بن أبي سلمة I: «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ H: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ H: سَلْ هَذِهِ -لِأُمِّ سَلَمَةَ-، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H يَصْنَعُ ذَلِكَ»، فيظهر منه: أن رسول الله H أذن له بالقبلة وهو صائم، وكان عمر بن أبي سلمة I شابًّا، فيحمل ما جاء من نهي الشاب عن القبلة وهو صائم في حديث أبي هريرة I - السابق - على كراهة التنزيه، فهذا القول يسلم إن شاء الله من التعارض، خلافًا لمن قال من أهل العلم بالتحريم، كما هو الأصح عند الشافعية، ورواية لأحمد، وخلافًا لمن قال بالإباحة بدون كراهة، كما هو مذهب الحنفية.
([1]) المجموع شرح المهذب (6/322، 355)، المغني (4/361)، المحلى مسألة (753)، مجموع الفتاوى (25/224)، الشرح الممتع (6/374).
([2]) المجموع شرح المهذب (6/354)، المغني (4/360)، الاستذكار (10/56)، المحلى مسألة (753)، فتح القدير لابن الهمام (2/330)، الإنصاف (3/328).
([3]) صحح الحديث الشيخ الألباني V في صحيح أبي داود (2090)