الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ?» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ?» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ،
5

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ L قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ H فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ?» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً?» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ?» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا?» قَالَ: لَا, ثُمَّ جَلَسَ, فَأُتِي النَّبِيُّ H بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا» , فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا? فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا, فَضَحِكَ النَّبِيُّ H حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». رَوَاهُ السَّبْعَةُ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

تخريج الحديث:

حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111)، وبقية السبعة.

فقه الحديث:

المسألة الأولى: الكفارة على المجامع في نهار رمضان([1]):

ذهب عامة أهل العلم إلى وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان وهو صائم، وقد قضى النبي H بالكفارة على الرجل الذي جامع في عهد النبي H في نهار رمضان.

والكفارة عند جمهور أهل العلم: هي العِتْق والصوم والإطعام، وهي واجبة عندهم على الترتيب، فمن جامع في نهار رمضان وهو صائم؛ فيجب عليه عتق رقبة، فإن عجز؛ فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز؛ فإطعام ستين مسكينًا، فقد أمر النبي H المجامع بأداء الكفارة على هذا الترتيب فقال له: «هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا»، وقد جاء في رواية في صحيح مسلم ظاهرها أن المجامع مخير في هذه الكفارة بين العتق والصوم والإطعام، فعن أبي هريرة I: «أَنَّ النَّبِيَّ H أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»، وحرف «أو» يقتضي التخيير، لكن رواية الترتيب أصح منها؛ لأن رواتها أكثر، وهي في الصحيحين، ولأن الترتيب زيادة علم فيؤخذ بها، ورواية التخيير مجملة ومختصرة، والرواية الأخرى مفسرة ومفصلة، وهو الراجح.

المسألة الثانية: صفة الكفارة([2]):

أولًا: عتق رقبة.

يرى جمهور أهل العلم أن الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في نهار رمضان يجب أن تكون رقبة مؤمنة، فلا تجزئ الكافرة قياسًا على كفارة قتل الخطأ،
قال الله : ﴿ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَ‍ٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ [النساء: ٩٢]، ويجب أيضًا عندهم أن تكون سالمة من العيوب المؤثرة، حتى يحصل النفع المطلوب من هذا العتق، فينتفع المعتَق بجميع جوارحه.

ويرى الحنفية والظاهرية وأحمد في رواية عدم اشتراط الرقبة المؤمنة في العتق هنا، فتجزئ الرقبة الكافرة أيضًا، ويرى الظاهرية أيضًا - عدم اشتراط سلامة هذه الرقبة من العيوب.

ودليلهم على الأمرين: أن رسول الله H أمر المجامع أن يعتق رقبة، ولم يقيدها بالمؤمنة أو بالسليمة.

ثانيًا: صوم شهرين متتابعين.

لا خلاف بين أهل العلم أنه يشترط التتابع في صوم هذين الشهرين؛ لأن النبي H قال للمجامع في نهار رمضان: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ».

فإذا قطع تتابع الصوم بغير عذر؛ وجب عليه استئناف الصوم من جديد، وإذا قطع هذا التتابع بسبب مرض شق عليه مواصلة الصوم بسببه؛ فيكمل صومه متى برئ من مرضه، ولا يلزم عليه إعادة الصوم، لأنه أفطر بعذر لا اختيار له فيه، وهو مذهب المالكية والحنابلة، ووجه للشافعية، وهو الراجح.

وإذا قطع التتابع بعذر السفر؛ فالمذهب عند الحنابلة أنه يكمل صومه متى عاد من سفره، قياسًا على رمضان، فالإفطار يجوز فيه بعذر السفر، مع أن صيامه ركن من أركان الإسلام.

وقال جمهور أهل العلم: يلزم عليه الإعادة من جديد، لأن السفر عذر اختياري، فيمكنه أن يواصل الصوم في أثناء سفره، أو أن يؤخّر السفر، أو أن يقدمه قبل الابتداء بصوم الكفارة، وهو الأقرب والأحوط.

ثالثًا: الإطعام.

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يجب في كفارة المجامع إطعام ستين مسكينًا، فيشترط استيفاء هذا العدد في الكفارة، ولا يجزئ إطعام أقل من ستين مسكينًا، ولو أخرج لهم ما يكفي ستين مسكينًا، فهذا العدد يعتبر قيدًا في الكفارة، ففي حديث المجامع: «قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟».

وإذا لم يوجد هذا العدد؛ فلا بأس بإخراج ما يكفي ستين مسكينًا لهذا العدد الموجود على الراجح من أقوال أهل العلم، مثلًا: يطعم أربعين بما يكفي ستين مسكينًا، إذا كان يشق عليه نقل الطعام من بلدة إلى أخرى.

والإطعام يكون بتمليك كل مسكين القدر الواجب له من الحبوب من بر أو شعير أو ذرة أو أرز، وهو مجزئ باتفاق العلماء، ويعطي لكل مسكين نصف صاع من حب على الراجح من أقوال أهل العلم، ونصف الصاع يساوي - مع الاحتياط - كيلو ونصف.

ولا بأس بصنع الطعام ودعوة المساكين لأكله، فمن أطعم ستين مسكينًا طعامًا جاهزًا يحصل به الإشباع بالقدر الواجب لهم؛ فقد دخل في قوله H: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا»، وقد ثبت عن أنس I: «أَنَّه مَرِضَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصُومَ، فَكَانَ يَجْمَعُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، فَيُطْعِمُهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا» وهو الأرجح، وهو مذهب جماعة من أهل العلم. وتمليكهم من الحبوب أضبط وأفضل أيضًا؛ لاتفاقهم عليه.

المسألة الثالثة: المجامع العاجز عن الإطعام([3]):

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الكفارة لا تسقط عنه، ويجب عليه الإطعام عند اليسار والقدرة، كسائر الديون المالية اللازمة عليه لله  كالزكاة أو للناس كالقرض، وقد أباح النبي H للمجامع في زمنه أن يأخذ ما أعطاه لإطعام مساكين، فيطعم أهله لشدة فقره، ففي حديث المجامع: «فَأُتِي النَّبِيُّ H بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا، فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ H حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»، ولم يسقِط عنه الكفارة، فلم يقل له: «ولا إطعام عليك بعدها» أو «وسقطت عنك الكفارة»، وبقاء الكفارة عليه لا يحتاج إلى بيان ثان؛ لأنه قد أعلمه بوجوب الإطعام عليه قبل ذلك.

والصحيح عند الحنابلة، وقول للمالكية والشافعية: أنها تسقط عنه الكفارة، فقد أباح النبي H لهذا المجامع أن يطعمها أهله لعسره، ولم يأمره بالكفارة مرة أخرى.

المسألة الرابعة: الكفارة على المرأة إذا طاوعت زوجها على الجماع وهي صائمة([4]):

الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الكفارة تجب عليها؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام، وبيان الحكم للرجال بيان للجنسين، إلا بدليل يخص أحدهما، ولاشتراكهما في علة إيجاب الكفارة من تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم بالجماع، ولا توجد حاجة لذكر المرأة في قصة هذا المجامع؛ لأنها لم تعترف ولم تسأل، ولاحتمال أن تكون المرأة مكرهة أو كانت مفطرة لعذر، ويقوي هذه الاحتمالات: أن زوجها لم يسأل ماذا عليها، وقد كان يجهل باللازم عليه؛ فمن باب أولى باللازم عليها، وهو الراجح.

ومذهب الظاهرية، والأصح عند الشافعية، ورواية لأحمد: أنه لا كفارة عليها؛ فقد أمر رسول الله الزوج بالكفارة ولم يأمر الزوجة بها.

المسألة الخامسة: الكفارة على من أفطر بغير عذر بغير الجماع([5]):

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الكفارة لا تجب على من أفطر في نهار رمضان عمدًا بغير الجماع؛ لأن الأصل براءة الذمة من التكليف الزائد عن الفرض الواجب، ولم يأت النص الشرعي بالكفارة إلا على المجامع في نهار رمضان، والفارق بين الجماع وسائر المفطرات واضح وجلي، ولم يساوِ الشرع بين الأكل - مثلًا - والجماع في موضع واحد من الشريعة.

وأما من أفطر بغير الجماع لأجل أن يجامع بعده احتيالًا منه على الكفارة؛ فإن الكفارة تلزمه على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن الحِيَل في الشرع باطلة، وسدًّا للذريعة.

 

([1]) المجموع شرح المهذب (6/344)، المغني (4/372، 380)، بداية المجتهد (1/302، 305)، فتح الباري (4/668، 674).

([2]) المغني (11/82-105)، المحلى مسألة (740، 746)، روضة الطالبين (6/258-278)، زاد المعاد (5/339)، أضواء البيان (6/556-566).

([3]) بداية المجتهد (1/306)، شرح مسلم (7/194)، المحلى مسألة (751)، المغني (4/375)، فتح الباري (4/679)، الإنصاف (3/323).

([4]) بداية المجتهد (1/304)، المجموع شرح المهذب (6/345)، المحلى (4/327)، المغني (4/375)، الإنصاف (3/314)، الشرح الممتع (6/402).

([5]) بداية المجتهد (1/302)، المجموع شرح المهذب (6/329)، المغني (4/365)، المحلى مسألة (737)، فتح الباري (4/671).

5 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة