عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ L: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ. قَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»، وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. قَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ» وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ, قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ, وَبُعِثْتُ فِيهِ, أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث أبي قتادة I: رواه مسلم (1162).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: صيام يوم عرفة([1]):
اتفق العلماء على استحباب صوم يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، فقد جاء عن أبي قتادة I: «أَنَّ رَسُولَ الله H سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، قَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ».
ومعنى «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ»: أي: يكفر الله عنه ذنب هذه السنة.
وقوله: «والباقية» قيل معناه: إذا ارتكب فيها معصية جعل الله E صوم يوم عرفة الماضي كفارة لهذه السنة، كما جعله مكفرًا؛ لما في السنة الماضية.
وقيل معناه: أن الله يعصمه في السنة الآتية عن ارتكاب المعاصي التي تحتاج إلى كفارة. وسيأتي الكلام على حكم صوم عرفة للحاج فيما بعد.
المسألة الثانية: صيام يوم عاشوراء([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم، فمقتضى الاشتقاق والتسمية يدل على ذلك، فعاشوراء من عاشر، وهو المعروف عند أهل اللغة، وجاء في صحيح مسلم عن ابن عباس L قال: قال رسول الله H: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ، لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»، فلم يأت العام المقبل حتى توفي. ومعناه: أن النبي H همَّ بصيام التاسع مع العاشر، مخالفة لليهود الذين كانوا يصومون يوم عاشوراء وحده، وليس المراد أن النبي H أراد نقل يوم عاشوراء من اليوم العاشر إلى اليوم التاسع، والفضل جاء في صوم يوم العاشر؛ فكيف ينقل إلى غيره؟!
وقد استقر الإجماع على استحباب صيام يوم عاشوراء، فقد كان النبي H يصومه، ورغّب في صيامه، ففي الصحيحين عن ابن عباس L قال: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ H يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ»، وفي الصحيحين عن عائشة J أن النبي H صام يوم عاشوراء وقال: «مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ»، وفي حديث أبي قتادة أن النبي H سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ»، أي: يكفر الذنوب التي اقترفها العبد في السنة الماضية.
المسألة الثالثة: صوم يومي الاثنين والخميس([3]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يستحب صيام يوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع، فقد كان النبي H يحرص على صيام هذين اليومين، فقد روى أحمد (6/80)، والنسائي (4/203)، وابن ماجه (1719) عن عائشة J قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَتَحَرَّى صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ»، وإسناده صحيح. وفي حديث أبي قتادة أن النبي H سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ»، أي: أن هذا اليوم فيه فضل، فصيامه مستحب؛ لما فيه من الفضل من مولد النبي H فيه والبعثة فيه.
ويفهم من هذا الفضل: أن صوم يوم الاثنين أفضل من صيام يوم الخميس، فمن أحب أن يقتصر على صوم يوم واحد من الأسبوع؛ فعليه بيوم الاثنين إن أمكنه ذلك، كما ذكره بعض أهل العلم.
([1]) المجموع شرح المهذب (6/380)، المحلى مسألة (793)، المغني (4/440).
([2]) المجموع شرح المهذب (6/383)، المغني (4/441)، المحلى مسألة (793)، فتح الباري (4/771).
([3]) المجموع شرح المهذب (6/386)، المغني (4/445)، المحلى مسألة (791).