وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ L: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ H أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ, فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ H «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ, فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (2015)، ومسلم (1165).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: فضل ليلة القدر:
ليلة القدر: هي الليلة التي أنزل فيها القرآن.
وسميت ليلة القدر؛ لأن فيها تقدَّر أمور تلك السنة، قال الله : ﴿ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ ٤ ﴾ [الدخان: ٤]، ولهذه الليلة فضائل، منها:
- أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، قال الله : ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: ٣].
- أن قيامها سبب لتكفير الذنوب، ففي الصحيحين عن أبي هريرة I أن النبي H قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
المسألة الثانية: بقاء ليلة القدر([1]):
أجمع العلماء على أن ليلة القدر باقية دائمة إلى يوم القيامة، للأحاديث الكثيرة التي فيها الحث على طلبها وإحيائها وقيامها، وجاء في البخاري عن عبادة بن صامت I قال: قال رسول الله H: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالْخَامِسَةِ»، والمراد برفعها: رفع العلم بوقتها، وليس المراد رفع وجودها، لهذا أمر في هذا الحديث بالتماسها.
المسألة الثالثة: وقت ليلة القدر([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في وترها وشفعها، وهي في ليالي الوتر أوكد وأرجى، وهي ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين، ولا تكون في غير العشر الأواخر من رمضان، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري I أن النبي H قال: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ». وعن ابن عمر L أنه قال: «أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ H أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ، فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»، فقال النبي H: «مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»، أي: من العشر الأواخر من رمضان، وجاء في الصحيحين عن عائشة J قالت: قال
رسول الله H: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ»، وهذا عام فيعمل به، وما ذكر قبله يعد من أفراد هذا العموم وليس تخصيصًا له.
وروى ابن أبي شيبة (2/325)، وأبو داود (1387) وغيرهما عن ابن عمر L: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ H عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: هِيَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ»، وهذا الحديث لا يصح رفعه، والصواب فيه الوقف على ابن عمر L، وعلى ثبوته؛ فالمراد به: أنها في كل رمضان من كل السَنة، وليس خاصًّا ببعض السنوات.
([1]) المجموع شرح المهذب (6/448)، المغني (4/448)، المحلى مسألة (809)، فتح الباري (4/794).
([2]) التمهيد لابن عبد البر (2/250)، المجموع شرح المهذب (6/449)، المغني (4/449)، المحلى مسألة (809)، مجموع الفتاوى (25/284)، فتح الباري (4/797).