وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ L, عَنِ النَّبِيِّ H قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: «لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهَا عَلَى أَرْبَعِينَ قَوْلًا أَوْرَدْتُهَا فِي «فَتْحِ الْبَارِي».
تخريج الحديث:
حديث معاوية I: رواه أبو داود (1386): «وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ»، فهو من قول معاوية I، وليس من قول النبي H، وقد رجح وقفه الإمام أحمد والدارقطني، وقال الحافظ ابن رجب V: «له علة خفية وهي وقفه على معاوية I([1])». ا.هـ
فقه الحديث:
المسألة الأولى: أرجى ليالي العشر الأواخر([2]):
اختلف العلماء في أرجى هذه الليالي التي يحتمل أن تكون ليلة القدر فيها، فذهب بعض السلف والشافعية في الصحيح عندهم إلى أن أرجى لياليها ليلة إحدى وعشرين، ففي الصحيحين عن أبي سعيد I قال: قال رسول الله H: «رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: مُطِرْنَا لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ،... فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقَدِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَوَجْهُهُ مُبْتَلٌّ طِينًا وَمَاءً».
وذهب بعض السلف وبعض الشافعية إلى أن أرجى لياليها ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، لحديث أبي سعيد I السابق، ولما رواه مسلم عن عبد الله بن أنيس I قال: قال رسول الله H: «وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ».
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن أرجى لياليها هي ليلة سبع وعشرين؛ لأدلة منها:
- ما جاء في صحيح مسلم أن أبي بن كعب I: «كَانَ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ؟، قَالَ: بِالْعَلَامَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ H أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا».
- ما جاء عن معاوية I أن النبي H قال: «هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ»، وهذا تعيين لليلتها، ولكن الراجح فيه أنه من قول معاوية I، وجاء بنحوه من حديث ابن عمر L، رواه أحمد (2/27) وغيره، وهو شاذ لا يصح؛ لأن المحفوظ عن ابن عمر L في الصحيحين وغيرهما أن النبي H قال: «تَحَرَّوْهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ»، في رواية: «تَحَرَّوْهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ».
- ما رواه أحمد (1/240) وغيره عن ابن عباس L قال: قال رجل: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلِيلٌ، يَشُقُّ عَلَيَّ الْقِيَامُ، فَأْمُرْنِي بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ اللَّهَ يُوَفِّقُنِي فِيهَا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ»، وإسناده صحيح.
- أن النبي H صلاها مع بعض أصحابه في الليل كله، فعن النعمان بن بشير I قال: «قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ H فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لَا نُدْرِكَ الْفَلَاحَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُور»، رواه أحمد (4/272)، والنسائي (3/203) بإسناد حسن، وجاء نحوه من حديث أبي ذر I، رواه احمد (5/163) وغيره بإسناد صحيح.
وهذا القول هو الراجح، فأرجى لياليها هي ليلة سبع وعشرين، ثم ليلة إحدى وعشرين، ثم ليلة ثلاث وعشرين.
المسألة الثانية: علامة ليلة القدر([3]):
من علاماتها الآتي:
- أن شمس يومها تطلع بيضاء لا شعاع لها كما سبق من حديث أبي بن كعب I عند مسلم.
- أن ليلتها ليلة بلجة طلقة لا باردة ولا حارة. ومعنى بلجة: أي مشرقة. وطلقة: أي طيبة، لا برد فيها ولا حَرّ يؤذي، جاء هذا الوصف عن النبي H من حديث عبادة بن الصامت وجابر وابن عباس M والحسن البصري V، رواه ابن أبي شيبة (2/327)، وأحمد (5/324)، وابن خزيمة (2190)، وهو حديث حسن لغيره.
- لا ينبح فيها كلب، رواه ابن أبي شيبة (2/327) عن الحسن البصري عن النبي H به، وهو حديث مرسل.
([1]) علل الدارقطني (7/66)، لطائف المعارف (ص/457).
([2]) الاستذكار (10/330)، المجموع شرح المهذب (6/449)، المغني (4/450)، فتح الباري (4/796)، لطائف المعارف (ص/451).
([3]) المغني (4/453)، المجموع شرح المهذب (6/450)، كتاب الصيام من شرح العمدة (2/697).