وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ L: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H قَالَ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ, وَلَا يُنْكِحُ, وَلَا يَخْطُبُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث عثمان بن عفان I: رواه مسلم (1409)، وقد ألزم الدارقطنيُّ البخاريَّ إخراجها في صحيحه([1]).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: النكاح للمحرم([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج أو يتوكل بالزواج لغيره، ولو كان هذا الغير حلالًا، ولا يجوز له أن يزوج غيره، ولو كان هذا الغير حلالًا، ولا يجوز للمحرمة أن تتزوج، ولو كان الناكح لها حلالًا، ويبطل النكاح في جميع ما سبق.
ودليله: ما جاء عن عثمان بن عفان I أن النبي H قال: «لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ –يعني: لنفسه أو لغيره-، وَلَا يُنْكِحُ –يعني: غيره كابنته-، وَلَا يَخْطُبُ»، والنكاح هنا المراد به: عقد الزواج. فلهذا الحديث قصة تدل على ذلك وهي: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ: فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ، فقَالَ أَبَانُ، سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H:... الحديث»، وأيضًا قوله: «وَلَا يَخْطُبُ» يدل على أن النكاح المنهي عنه للمحرم: هو عقد التزويج، فالخطبة طلب التزويج.
وقد جاء في الصحيحين عن ابن عباس L قال: «أَنّ النَّبِيَّ H تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»، ولكن قد جاء في صحيح مسلم عن ميمونة J: «أَنّ رَسُولَ اللَّهِ H تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ»، وصاحب القصة أدرى بنفسه، فلعل ابن عباس L وهِم، فقد كان صغيرًا يومها، أو لعله قصد بقوله: «وهو محرم» أي: وهو في البلد الحرام، أو في الشهر الحرام، وهذا سائغ في اللغة، أو يكون الجمع بين الحديثين بأن رسول الله H تزوجها حلالًا، وظهر خبر زواجها وهو محرم، أو يكون خاصًّا به منهيًّا عنه لغيره، لحديث عثمان I.
ومذهب بعض السلف والحنفية: أنه يجوز للمحرم أن يتزوج أو يزوج؛ لحديث ابن عباس في نكاح رسول الله لميمونة وهو محرم، وهو في الصحيحين، فهو أصح مما روي عن ميمونة أنه تزوجها وهو حلال. والمراد بالنكاح في حديث عثمان، الوطء، لا عقد النكاح.
المسألة الثانية: الخطبة للمحرم([3]):
اختلف العلماء في حكمها؛ فالصحيح عند الشافعية والحنابلة: أنها مكروهة، لأن الخطبة لا متعلق لها بالنكاح، وإنما هي طلب النكاح، قد يطلب ولا يتحقق النكاح، وقد ينكح بلا طلب وخطبة.
وذهب بعض المالكية، وبعض الحنابلة، وابن حزم الظاهري: إلى تحريم الخطبة للمحرم، لظاهر النهي في قوله: «ولَا يَخْطُبُ»، وهو الأرجح.
([1]) الالزامات والتتبع (ص/407).
([2]) المنتقى للباجي (2/238)، المحلى مسألة (869)، المجموع شرح المهذب (7/287)، المغني (5/162)، فتح الباري (4/528)، (10/207)، فتح باب العناية (2/20).
([3]) انظر المراجع السابقة.