وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ; أَنَّ النَّبِيَّ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عباس L: رواه البخاري (1835)، ومسلم (1202).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: حلق المحرم شعر رأسه([1]):
أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم أن يحلق شعر رأسه في أثناء إحرامه، لقوله E: ﴿ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥ ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وأجمعوا على أن من حلقه لعذر من مرض أو غيره وهو محرِم أنه لا يأثم، قال الله : ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖ ﴾ [البقرة: ١٩٦]، فأباح للمحرم أن يحلق شعر رأسه لعذر، وأوجب عليه الفدية.
المسألة الثانية: حلق المحرم شعر غير رأسه([2]):
اختلف العلماء في حكمه للمحرم؛ فقال جمهور أهل العلم: لا يجوز للمحرم أن يحلق شعر البدن كالإبط والعانة والصدر، قياسًا على عدم جواز حلق شعر الرأس، ولأن حلقها من الترفه، والمحرم مطالب باجتناب الترفه، لهذا نهي عن لبس المخيط والتطيب وحلق الرأس.
وقال أهل الظاهر، والإمام مالك في رواية: يجوز للمحرم الأخذ من شعر البدن غير الرأس، لعدم وجود دليل من كتاب أو سنة أو إجماع على تحريم ذلك، إنما جاء الدليل على منع حلق شعر الرأس خاصة، وكون العلة هي الترفه لا يسلم بذلك، فالمحرم يجوز له أن يغتسل ويمتشط ويلبس الإحرام الجديد الجميل ويأكل أحسن الطعام، وهذا كله من الترفه، واختاره الشنقيطي وابن عثيمين والوادعي رحمهم الله.
ولا شك أن الأحوط اجتنابه، لإمكانية قياس شعر البدن على شعر الرأس.
المسألة الثالثة: تقليم المحرم لأظفاره([3]):
اختلف العلماء في هذه المسألة؛ فقالت الظاهرية: يجوز للمحرم تقليم أظفاره؛ لعدم وجود دليل يمنعه من ذلك، والدليل إنما خص شعر الرأس، فيقتصر عليه.
وقال جمهور أهل العلم: لا يجوز للمحرم أن يقلم أظفاره، لأن هذا من الترفه، وقياسًا على حلق شعر الرأس، ولما جاء عن السلف في تفسير التفث في قوله : ﴿ ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ ﴾ [الحج: ٢٩]، بأنه حلق الرأس وقص الأظفار، ثبت ذلك عن ابن عباس L ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب، وجاء عن عبد الله ابن زيد I: «أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ H عَلَى الْمَنْحَرِ،... فَحَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ H رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ،... وَقَلَّمَ أَظْفَارَه»، رواه أحمد (4/42) وغيره بإسناد صحيح. فيفهم منه: أن رسول الله تعمد الإمساك عن تقليم أظفاره؛ لأنه من التفث المذكور في الآية، وهذا هو الراجح.
وأما ما انكسر منه؛ فلا بأس بإزالته؛ لأنه يؤذي ويؤلم، فأشبه الشعر الثابت في العين والصيد الصائل على المحرم، وعليه عامة العلماء.
المسألة الرابعة: الحجامة للمحرم([4]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يجوز للمحرم أن يحتجم لضرورة أو حاجة ولو في رأسه، فقد احتجم النبي H في رأسه وهو محرم.
وإذا لم يأخذ عند الحجامة من شعره؛ فلا فدية عليه، وإذا أخذ من شعره بقدر ما تجب به الفدية وجبت عليه الفدية، وسيأتي بيان القدر الذي يوجب الفدية.
وأما إذا كانت الحجامة لغير حاجة؛ فلا تجوز إذا قطع معها شعر، وإذا لم يقطع معها شعر جازت، كما لو كانت في موضع لا شعر فيه عند جمهور العلماء.
([1]) المغني (5/45)، فتح الباري (4/481).
([2]) المجموع شرح المهذب (7/374)، المحلى مسألة (891)، المغني (5/383)، أضواء البيان (5/397)، الشرح الممتع (7/130).
([3]) المغني (5/388)، تفسير الطبري (8/613)، والمراجع السابقة.
([4]) المجموع شرح المهذب (7/355)، فتح الباري (4/527)، سبل السلام (2/404).