وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ L: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا, وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(741) 14- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ L قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديثين:
حديث عبد الله بن زيد I: رواه البخاي (2129)، ومسلم (1360).
حديث علي بن أبي طالب: رواه البخاري (6755)، ومسلم (1370).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: حرمة المدينة([1]):
الصحيح الذي عليه جمهورأهل العلم: أن حرم المدينة كحرم مكة، فلا ينفر صيدها، ولا يقطع شجرها، ولا يختلى خلاؤها، فقد قال رسول الله H: «وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ».
وأما ما جاء في الصحيحين عن أنس I في قطع شجر نخل المدينة في عهد النبي H لبناء المسجد؛ فهذا منسوخ، فقد كان في أول الهجرة، وحديث تحريم المدينة كان بعد رجوعه H من خيبر.
المسألة الثانية: حدود حرم المدينة([2]):
المدينة حرم من «عير» إلى «ثور» كما نص عليه رسول الله H.
و«عير»: جبل أسود بحمرة في جنوب المدينة.
و«ثور» جبل صغير خلف جبل «أحُد» شمال المدينة، وهي من جهتي الشرق والغرب من «الحرة الشرقية»، وهي حرة بني حارثة - لما في البخاري قال
رسول الله H: «أَرَاكُمْ يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ الْحَرَمِ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ»- إلى «الحرة الغربية» عند «وادي العقيق».
والحرة: هي أرض ملبسة بحجارة سوداء، وقد ثبت هذا التحديد عن النبي H في الصحيحين فقال: «وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا»، واللابة: هي الحرة.
المسألة الثالثة: سلب قاطع الشجر في الحرم المدني([3]):
من وجد إنسانًا يقطع شجر المدينة؛ فله سلبه، أي: له أخذ ما معه من عتاد وثياب، ففي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص I أنه: «وَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ، فقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شيئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ H، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ»، وبظاهر هذا الحديث قال الإمام الشافعي في مذهبه القديم، وأخذ به بعض الشافعية منهم النووي، وهو رواية للإمام أحمد، وقول ابن حزم وابن تيمية. قال الحافظ ابن حجر: «اختاره جماعة مع الشافعي وبعده لصحة الخبر فيه»، واختاره الإمام الشنقيطي، وهو الأرجح؛ لثبوت الدليل فيه.
ولم يعمل بهذا الحديث جمهور العلماء، وأجابوا عليه: بأنه ضعيف، أو منسوخ، أو مهجور العمل به؛ للإجماع على خلافه، أو خاص بسعد I، والرد عليهم: بأن الحديث صحيح، رواه مسلم، وعمل سعد I به بعد موت رسول الله H دليل على عدم نسخه، والخلاف في المسألة موجود قديمًا وحديثًا، ولا تثبت الخصوصية إلا بدليل.
([1]) شرح مسلم (9/114)، فتح الباري (4/567)، أضواء البيان (2/160).
([2]) منحة العلام (5/247).
([3]) شرح مسلم (9/118)، المجموع شرح المهذب (7/480، 497)، المحلى مسألة (901)، مجموع الفتاوى (20/376)، فتح الباري (4/567)، الإنصاف (3/560)، أضواء البيان (2/164).