السبت ، ٠٧ يونيو ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

قوله صلى الله عليه وسلم: حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ, فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ, بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ, وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا, ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ, فَصَلَّى الْفَجْرَ,

قوله صلى الله عليه وسلم: حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ, فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ, بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ, وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا, ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ, فَصَلَّى الْفَجْرَ,
76

قوله H: حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ, فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ, بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ, وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا, ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ, فَصَلَّى الْفَجْرَ, حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ.

ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ, فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ, فَدَعَاهُ, وَكَبَّرَهُ, وَهَلَّلَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا.

فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ, حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرَ فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى, حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ, فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ, يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا, مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ, رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ, فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ H فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ, فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا.





فقه الفقرة الرابعة من الحديث:

المسألة الأولى: أعمال الحاج في المزدلفة([1]):

المزدلفة: موضع بين منى وعرفة وهو من الحرم. ولا خلاف بين أهل العلم أن الحاج يتجه من عرفة إلى المزدلفة، ويبيت فيها تلك الليلة، وسيأتي الكلام على حكم هذا المبيت.

ويجمع فيها بين المغرب والعشاء جمع تأخير عند جمهور أهل العلم، بأذان واحد وإقامتين، وهذا هو فعل النبي H، قال جابر I: «فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ»، ومن لم يفعل؛ فقد خالف السنة ولا يأثم، ففعل النبي H محمول على الأفضل والأولى، وهو الراجح.

وعامة أهل العلم على ترك التطوع بين هاتين الصلاتين، فقد قال جابر I: «وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا»، أي: ولم ينتفل بينهما.

ولم ينقل عنه H أنه أقام هذه الليلة، بل الظاهر من النقل أنه لم يحي هذه الليلة بالصلاة، قال جابر I: «ثُمَّ اِضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ»، وهذا لشدة التعب الذي حصل يوم عرفة، واستعدادًا لأعمال يوم النحر، وأما صلاة الوتر؛ فلم يكن يدعها النبي H في حضر ولا سفر، فالظاهر من عموم هذا: أنه H صلاها في تلك الليلة.

ثم يصلي الفجر فيها، إلا من كان من الضعفة أو النساء، فيعجلون في الخروج من المزدلفة قبل الفجر - كما سيأتي إن شاء الله -.

ثم يبقى فيها يدعو الله ويذكر الله حتى يسفر جدًّا ثم ينطلق - أي: حتى ينتشر ضوء الفجر بقوة ووضوح - وينطلق قبل طلوع الشمس بقليل، وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الراجح، فهو الذي فعله النبي H، فعن جابر I قال: «فَصَلَّى الفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ -وهو جبل صغير في المزدلفة-، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ».

المسألة الثانية: الإسراع عند قدوم بطن وادي محسّر([2]):

يستحب للحاج إذا وصل وادي محسّر أن يسرع في المشي قليلًا، فهذا الذي فعله النبي H، ومحسّر: وادي بين منى والمزدلفة عند جمهور أهل العلم، ويكثر فيه الرمل فيحسّر سالكه - أي: يتعبه - فيحتاج السالك أن يشد في المشي، ومحسّر من الحرم.

المسألة الثالثة: رمي الجمرة بعد الدفع من المزدلفة([3]):

لا خلاف بين أهل العلم أن الحاج بعد أن يدفع من المزدلفة يرمي الجمرة الكبرى، وسيأتي الكلام على حكم هذا الرمي وصفته.

والواجب أن يرمي هذه الجمرة بالحجارة خاصة، ولا يجوز بغيرها، ولو كان من جنس الأرض -كالكحل والطين وملح الجبل والنورة -، فقد رمى النبي H الجمرة بمثل حصى الخذف، كما ذكره عنه جابر I وأمر به، ففي صحيح مسلم عن الفضل بن عباس L أن النبي H قال: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ»، وهذا مذهب الجمهور، هو الراجح.

ولا فرق عند جمهور أهل العلم بين الحجارة الصغيرة والكبيرة؛ لوجود المطلوب وهو الرمي بالحجارة، ويستحب الحجر الصغير في الرمي.

ومذهب الظاهرية، والمنقول عن الإمام أحمد: أن الرمي لا يجزئ إلا بالحجرالصغير، فقد رمى النبي H بحصى الخذف، وهي حجارة صغيرة، وأمر بها كما في حديث الفضل L. وروى الإمام أحمد (1/215) وغيره بإسناد صحيح عن ابن عباس L قال: «فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ، هُنْ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: نَعَمْ، بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ»، وهذا القول هو الأظهر، والله أعلم.

المسألة الرابعة: الهدي للحاج([4]):

أجمع العلماء على أن من حج متمتعًا أنه يجب عليه الهدي، قال الله : ﴿ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِ [البقرة: ١٩٦].

والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن القارن يجب عليه الهدي أيضًا، فقد أطلق الصحابة لفظ «التمتع» على من حج قارنًا؛ لأنه جمع بين الحج والعمرة بسفرة واحدة كالمتمتع، فعليه يدخل في قوله تعالى: ﴿ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِ [البقرة: ١٩٦]، وقد حج النبي H قارنًا وساق معه الهدي ونحر، قال جابر I: «ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ».

والهدي لا يكون إلا من بهيمة الأنعام -الإبل والبقر والغنم- لقوله تعالى:
﴿ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ [الحج: ٢٨].

ويجوز ذبح الجمل أو البقرة عن سبعة، ففي صحيح مسلم عن جابر I قال: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ H عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ».

ويجوز للحاج الأكل من هديه عند جمهور العلماء، فقد ثبت من حديث جابر I في حجة الوداع أن رسول الله H أكل من هديه، وهو الراجح.

المسألة الخامسة: طواف الإفاضة([5]):

أجمع العلماء على أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، يأتي به الحاج بعد الوقوف بعرفة والمزدلفة.

والأفضل عند جميع العلماء: أن يكون بعد رمي الجمرة الكبرى والنحر والحلق يوم النحر، لأنه الذي جاء عن النبي H، قال جابر I: « رَمَى مِنْ بَطْنِ الوَادِي، ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ H فَأَفَاضَ إِلَى البَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ».

والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن وقت طواف الإفاضة موسع، فليس له وقت محدد، فيصح ولو أخّره الحاج إلى بعد شهر ذي الحجة، فلم يقيده النبي H بوقت معين لا يصح إلا فيه، فيبقى الأمر به على إطلاقه، وقد جاء في الصحيحين عن عائشة J أن النبي H قال لصفية J حين حاضت قبل الطواف: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ»، دل هذا على أن هذا الطواف لابد منه، وعلى أنه يجوز تأخيره.

ومن لم يطف طواف الإفاضة، لم يحصل له التحلل الأكبر؛ فلا يجوز له أن يجامع امرأته حتى يطوف بالبيت، فلم يحصل له إلا التحلل الأول، كلبس المخيط والتطيب - وسيأتي ذكر مزيد لهذا -.

 

([1]) المغني (5/281، 284)، شرح مسلم (8/153)، فتح الباري (4/325، 337، 339).

([2]) منحة العلام (5/270).

([3]) المغني (5/289)، المجموع شرح المهذب (8/171، 183)، المحلى (7/133)، الإنصاف (4/32، 35).

([4]) المغني (5/444-459)، فتح الباري (4/352، 382)، المنتقى للباجي (2/318)، شرح مسلم (9/56).

([5]) المغني (5/308-345)، شرح مسلم (9/49)، المجموع شرح المهذب (8/224).

76 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة