وَعَن جابر: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «وَالْمُقَصِّرِينَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (1728)، ومسلم (1301).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: حكم الحلق أو التقصير في الحج والعمرة([1]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الحلق أو التقصير نسك واجب في الحج والعمرة في وقته المحدد شرعًا، وليس هو لمجرد استباحة محظور، لقوله تعالى فيهم: ﴿ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ ﴾ [الفتح: ٢٧]، فلو لم يكن من النسك؛ لما وصفهم به، كاللبس والطيب وقتل الصيد وغيرها من المحظورات.
وأيضًا ترحم رسول الله H على المحلقين والمقصرين، فلو لم يكن نسكًا؛ لما استحق فاعله الدعاء له من رسول الله H بالرحمة كسائر المباحات، وقد أمر رسول الله H به، ففي الصحيحين عن ابن عمر L قال: قال رسول الله H: «مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ»، والأمر يقتضي الوجوب.
المسألة الثانية: حد الواجب من الحلق أو التقصير([2]):
الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يجب الحلق أو التقصير من جميع الرأس، لقوله تعالى: ﴿ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ ﴾ [الفتح: ٢٧]، وهذا عام في جميع الرأس، ولأن رسول الله H حلق جميع رأسه، والتقصير يقوم مقام الحلق، فيكون كذلك.
ولا يجب التقصير من كل شعرة، وإنما يجب التعميم بالأخذ من كل جهة من الرأس، وهو مذهب المالكية، والمشهور عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية وابن عثيمين وعلماء اللجنة الدائمة([3]).
والمشهور عند الشافعية: أنه يجزئ ولو ثلاث شعرات؛ لأنه أقل الجمع، وقد قال تعالى: ﴿ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ ﴾، ولأن أخذ ثلاث شعرات يسمى حلقًا أو تقصيرًا، فتحقق الواجب.
المسألة الثالثة: أيهما الأفضل، الحلق أم التقصير([4])؟
أجمع العلماء على أن الحلق أفضل من التقصير، فقد ترحم النبي H على المحلقين ثلاثًا وعلى المقصرين مرة واحدة، وهذا يدل على تفضيل الحلق على التقصير.
وتستثنى عمرة المتمتع، فالأفضل لمن اعتمر متمتعًا بها إلى الحج أن يقصر عند التحلل من عمرته ـ إذا كان وقت الحج قريبًا ـ ليجعل الحلق عند التحلل من حجه، وقد أمر النبي H الصحابة بالتقصير، ففي الصحيحين عن جابر I قال: قال رسول الله H: «أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا والمروة وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا».
وأخذ الشعر بالآلات كالمكينة ليس حلقًا كاملًا، لكنه أقرب إلى الحلق كما قاله بعض أهل العلم، والحلق الكامل يكون بالموسى([5]).
وأما الحلق أو التقصير في حق النساء؛ فسيأتي الكلام عليه في موضعه.
([1]) المغني (5/242، 304)، المجموع شرح المهذب (8/205، 208)، فتح الباري (4/359، 386).
([2]) المغني (5/244، 303)، المجموع شرح المهذب (8/209)، فتح الباري (4/390)، الشرح الممتع (7/362).
([3]) فتاواها (11/220).
([4]) المغني (5/243، 303)، المجموع شرح المهذب (8/209)، هداية السالك لابن جماعة (4/1062).
([5]) المنتقى للفوزان (5/178).