وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ, إِلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنِ الْحَائِضِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عباس L: رواه البخاري (1755)، ومسلم (1327).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: حكم طواف الوداع للحاج([1]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن طواف الوداع واجب، من تركه عمدًا لغير عذر أثم، ورخص للحائض بتركه تخفيفًا عنها، لأن الحائض لا تطوف بالبيت، فعن ابن عباس L قال: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنِ الحَائِضِ»، والآمر للناس هو النبي H؛ فيكون هذا الأمر للوجوب، وترخيص النبي H للحائض بتركه يدل على وجوبه على من عداها.
ومن تأخر بعده قليلًا؛ لتوقف السير، أو انتظار الرفقة، أو لأداء الصلاة، أو لاشتراء حاجاته من الطريق؛ فلا شيء عليه ولا يلزمه إعادة الطواف، كما نص عليه بعض أهل العلم.
المسألة الثانية: طواف الوداع للمعتمر([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا يجب طواف الوداع على المعتمر، فقد أمر النبي H الحجاج بطواف الوداع في حجة الوداع، وقد اعتمر رسول الله H أكثر من مرة، ولم ينقل عنه أنه طاف للوداع بعد عمرته، ولم يأمر بذلك.
المسألة الثالثة: من ترك واجبا من واجبات الحج([3]):
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن من ترك واجبًا من واجبات الحج أن عليه دم، يعرف بدم جبران، يذبحه ويتصدق به على الفقراء، فقد جاء عن ابن عباس L أنه قال: قال رسول الله H: «مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَ فَلْيُهْرِقْ دَمًا»، رواه ابن حزم وضعفه، وهو كما قال، ولكنه صح عن ابن عباس L من قوله، رواه البيهقي (5/30) وله حكم الرفع، لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، وعلى فرض أن هذا من اجتهاد ابن عباس؛ فهو قول صحابي قد شُهِر، ولا يعلم له مخالف من الصحابة؛ فكان حجة، ومشى عليه أئمة التابعين ومن بعدهم، ولم يصرح أحد منهم أن هذا لم يرد في الكتاب والسنة، بل جاء من الكتاب ما يدل على أن له أصل، وهو قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّواْ... ﴾، فجعل الهدي على من أحصر عن إتمام الحج أو العمرة، وهذا القول هو الراجح، واختاره علماء اللجنة الدائمة وابن عثيمين.
وذهبت الظاهرية إلى عدم وجوب الدم عليه؛ لعدم وجود الدليل عليه، وأخذ بهذا شيخنا الوادعي V.
([1]) المجموع شرح المهذب (8/254، 284)، المغني (5/336)، فتح الباري (4/416).
([2]) بداية المجتهد (2/266)، المحلى (7/117)، هداية السالك (3/1332)، فتاوى اللجنة الدائمة (11/299).
([3]) بداية المجتهد (1/351)، تلخيص الحبير (2/229)، فتاوى اللجنة الدائمة (11/342)، الشرح الممتع (7/218، 438)، الموسوعة الفقهية (32/72)، رسالة حتى لا يقع الحرج، د/ الصبيحي (ص/88).