وَعَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ كُسِرَ, أَوْ عُرِجَ, فَقَدَ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» قَالَ عِكْرِمَةُ. فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ? فَقَالَا: صَدَقَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ
تخريج الحديث:
حديث الحجاج بن عمرو I: رواه أحمد (3/450)، وأبو داود (1859)، والنسائي (5/198)، والترمذي (940)، وابن ماجه (3077)، وإسناده صحيح.
فقه الحديث:
مسألة: الحصر بغير العدو([1]):
إما بمرض أو بكسر أو بجرح.
اختلف العلماء في الحصر: هل هو عام أم خاص بالعدو؟
فذهب جماعة من السلف، والحنفية، والإمام أحمد في رواية، وجماعة من المحققين كابن حزم وابن تيمية وابن القيم: إلى أن الحصر عام يكون بأي مانع يمنع عن مواصلة الحج أو العمرة، كعدو أو مرض أو سرقة نفقة أو غيرها، فيتحلل المحصَر بنحر الهدي ولا يلزم عليه أن يبقى محرمًا، واستدلوا بالآتي:
- حديث الحجاج بن عمرو I أن النبي H قال: «مَنْ كُسِرَ، أَوْ عُرِجَ، فَقَدَ حَلَّ»، أي: صار حلالًا بالمانع الذي منعه عن مواصلة حجه، ولا يلزمه أن يبقى محرمًا حتى يكمل حجه أو يتحلل بعمرة.
- عموم قوله تعالى: ﴿ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِ ﴾ [البقرة: ١٩٦]، فالإحصار هنا عام؛ فيشمل الحصر بالعدو وغيره، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
- القياس على الحصر بالعدو، فمعلوم بالإجماع أنه يحل ولا يبقى محرمًا وعليه الهدي، فكذلك من أحصر بغيره، فالعلة واحدة، وهي عدم القدرة على إتمام النسك، واشتراط ضباعة بنت الزبير لكي تسلم من الهدي.
وذهب بعض السلف والمالكية والشافعية، والمشهور عند الحنابلة: إلى أن الحصر لا يكون إلا من العدو، فمن أحصر بغيره؛ فلا يتحلل ويبقى محرمًا حتى يبرأ من المرض أو غيره، فإن برئ وكان قد وقف بعرفة؛ فيكمل حجه، وإن فاته الوقوف بعرفة؛ فيتحلل بعمرة، لأن قوله : ﴿ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِ ﴾ نزلت باتفاق العلماء في عمرة الحديبية، حين صد المشركون النبي H وأصحابه M عن البيت الحرام، فيكون هذا الحكم خاصًّا بحصر العدو، وما عداه لا دليل على تحلله بوجوده، فيبقى على إحرامه إلى أن يبرأ، فيكمل أو يتحلل بالعمرة، ولأنه ثبت عن ابن عمر وابن عباس M. وأيضًا لو كان التحلل يحصل بغير العذر؛ لما احتاجت ضباعة إلى اشتراطه؛ إذ معناه محل إحلال حيث المانع من الإتمام.
وردوا على حديث الحجاج I بأمور، منها:
- أن هذا في حق من اشترط عند إحرامه، لهذا لم يعمل ابن عباس بظاهره مع تصديقه له.
- أن المراد به: أنه حل له بنفس الكسر أو العرج أن يلقي التفث ويفتدي، ولا يحل إحلالًا كاملًا حتى ينتهي من نسكه.
وقد اختاره علماء اللجنة الدائمة([2]) وابن عثيمين.
قلت: يشكل على القول الأول حديث بضباعة؛ حيث معناه: محل إحلالي حيث حبسني المانع من الإتمام.
ويشكل على القول الثاني: ظاهر حديث الحجاج بن عمرو، لكنه أحوط.
قَالَ مُصَنِّفُهُ حَافِظُ الْعَصْرِ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْفَضْلِ; أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ حَجَرٍ الْكِنَانِيُّ الْعَسْقَلَانِيُّ الْمِصْرِيُّ أَبْقَاهُ اللَّهُ فِي خَيْرٍ:
آخِرُ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ النِّصْفُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ قَالَ: وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْهُ فِي ثَانِي عَشَرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ, وَهُوَ آخِرُ «الْعِبَادَاتِ».
يَتْلُوهُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي
وأما الجزء الثاني فيتعلق بأحكام المعاملات.
([1]) المحلى (7/203)، عون المعبود مع تهذيب السنن (5/221)، والمراجع السابقة في مسألة الحصر بالعدو.
([2]) فتاواها (11/351).