وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ, وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ, وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ, وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ, سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ, وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.
وَلِأَحْمَدَ: نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر L: رواه أبو داود (3458)، والبيهقي (5/316) وفي إسناده ضعف، ففيه إسحاق بن أسيد، فيه ضعف، ورواه أحمد (2/28) وغيره عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر L، ورجاله ثقات، ولكن اختلف الحفاظ في سماع عطاء بن أبي رباح من ابن عمر L([1]). ورواه ابن عدي في الكامل (2/455) من حديث جابر I، وفيه بشير بن زياد الخراساني، منكر الحديث. والحديث على أقل أحواله حسن لغيره. وقد صححه الألباني بمجموع طرقه([2]).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: حكم بيع العينة([3]):
هي أن يبيع صاحب السلعة سلعته بثمن مؤجل، ثم يشتريها ممن اشتراها منه نقدًا بثمن أقل.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن بيع العينة محرم، فقد نهى النبي H عنه، فقال: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ –أي: اشتغلتم بالحرث-، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ –أي: اشتغلتم بالزراعة-، وَتَرَكْتُمْ الجِهَادَ –أي: لانشغالكم بما سبق-، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا –أي: صغارًا- لَا يَنْزِعُهُ –أي: لا يرفعه- حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ».
وقد روى عبد الرزاق (8/184)، والدارقطني (3/52)، والبيهقي (5/330) أنه ذكِر لعائشة J أن زيد بن أرقم I تبايع مع امرأة بالعينة فقالت: «بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَى، أَبْلِغِي زَيْدًا، أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ الله H إِنْ لَمْ يَتُبْ»، وقد صحح بعض أهل العلم هذا الأثر، وفي سنده العالية بنت أيفع، مجهولة حال، وقول عائشة J له حكم الرفع، لأنه لا مجال للاجتهاد فيه، ولأن المعاملة بالعينة مدعاة للربا؛ فكانت محرمة، سواء حصلت عن تواطؤ من البائع والمشتري أم عن غير تواطؤ منهما.
المسألة الثانية: حكم بيع التورق([4]):
صورته: أن يحتاج الشخص للدراهم، فيشتري السلعة من رجل وهو لا يريدها بثمن مؤجل، ثم يبيعها لآخر غير البائع الأول بثمن أقل نقدًا. وهذه التسمية مأخوذة من الورِق وهي الدراهم.
وقد منع التورق الخليفة عمر بن عبد العزيز V وقال: «هو شبيه بالربا»، وهو رواية لأحمد، وجاء نحوه عن ابن تيمية وابن القيم؛ لما في هذه المعاملة من إضرار بالمحتاج وأكل لماله بالباطل، وهذا المعنى هو الموجود في العينة وفي
القرض بفائدة.
وذهب جمهور العلماء إلى جواز التورق؛ لأن الأصل حل جميع المعاملات إلا ما منعه الشرع، ولا يعلم حجة شرعية تمنع منها، والحاجة داعية لها، فليس كل من احتاج إلى النقود يجد من يقرضه، وقد اختار القول بالجواز علماء اللجنة الدائمة([5])، وهو الأرجح.
([1]) انظر ترجمة عطاء بن أبي رباح في التاريخ الكبير للبخاري وتهذيب التهذيب لابن حجر.
([2]) في السلسلة الصحيحة (11).
([3]) المغني (6/260)، المجموع شرح المهذب (10/140)، بداية المجتهد (2/154)، مجموع الفتاوى (29/30، 446)، إعلام الموقعين (5/80).
([4]) مجموع الفتاوى (29/302، 442)، تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود (5/108)،، نيل المآرب للبسام (3/34، 94).
([5]) فتاواها (13/161).