وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ, يَعْنِي: الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. رَوَاهُ إِسْحَاقُ, وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر L: رواه البزار كما في «كشف الأستار» (5/90)، والبيهقي (5/290) وغيرهما، وإسناده ضعيف، ففيه موسى بن عبيدة الربذي ضعيف، وقد تحرف في بعض الروايات إلى موسى بن عقبة، وهو ثقة، وذكره في السند غلط، لهذا قال المصنف في «فتح الباري([1])» على هذا الحديث: «ضعيف باتفاق المحدثين».
فقه الحديث:
المسألة الأولى: بيع الكالئ بالكالئ([2]):
هو عند الفقهاء بيع الدين بالدين، وأهل اللغة يقولون: بيع النسيئة بالنسيئة، والمعنى واحد. وهذا البيع محرم بإجماع العلماء، وحديث الباب ضعيف، ويغني عنه الإجماع المنعقد على تحريمه.
ولهذا البيع صور، منها:
الأولى: أن تكون السلعة وعوضها كلاهما غائب، مثلًا: أن يقول شخص لآخر: «اشتريت منك صاعًا من بر بخمسة دراهم» على أن يتم تسليم العوضين في آجل، ويبرم العقد على هذا.
الثانية: أن يكون لرجل على رجل دين، ويكون لثالث على رابع دين، فيحيل هذا على هذا، وهذا على هذا، يعني: يحيل الثالثُ الأولَ على الرابع لقضاء دينه، ويحيل الأولُ الثالثَ على الثاني لقضاء دينه، فباعوا دينًا بدين.
الثالثة: جعل رأس مال السلم دينًا، كأن يكون عند رجل لآخر دين، فيجعلا هذا الدين سلمًا في طعام، مثلًا: رجل عنده لآخر دراهم معلومة، فيجعلها مقابل طعام على المستدين إلى أجل معلوم، وهذا لا يجوز؛ لأن شرط صحة السلم قبض الثمن في مجلس العقد – كما سيأتي -.
المسألة الثانية: عقد الاستصناع([3]):
هو طلب عمل من الصانع في شيء مخصوص، على وجه مخصوص، بعوض معلوم.
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن عقد الاستصناع لا يصح إلا بتسليم المستصنع للمال كاملًا عند التعاقد، أما إذا لم يسلمه المال كاملًا مقدمًا فلا يصح، لأنه يكون من بيع الدين بالدين، أو يقال من بيع المعدوم، وهذا محرم، فقد أجمع العلماء على تحريم بيع الدين بالدين.
وذهب جمهور الحنفية، وبعض الحنابلة: إلى صحة عقد الاستصناع، سواء قدم المستصنع بعض القيمة أم لم يقدم شيئًا، وذلك لأن عقد الاستصناع عقد مستقل، ليس بيعًا ولا إجارة ولا سلمًا، وإن كان فيه شبه بها، وعمل الناس عليه من أزمنة دون إنكار، ولا دليل على منعه، والحاجة تدعوا إليه، وفي تركه مشقة، ولا يشترط فيه إلا ذكر الصفات الكافية التي يتميز بها المصنوع.
وقد أخذ بهذا القول المجمع الفقهي الإسلامي، وهو الراجح.
وحديث النهي عن بيع الدين بالدين لم يثبت، فليس كل بيع دين بدين يكون محرمًا، وإنما يحرم منه ما كان فيه شيء من المحظور الشرعي أو أجمع العلماء على حرمته، وعقد الاستصناع لا محظور شرعي فيه، ولم يجمع العلماء على تحريمه.
وأما لو سلم المستصنع قيمة المصنوع كاملًا في مجلس التعاقد؛ فيكون عقدًا صحيحًا بالإجماع، وهو عند جمهور أهل العلم من باب السلم، فيجوز بشروط السلم التي ستأتي.
([1]) (5/102).
([2]) المغني (6/106، 410)، المجموع شرح المهذب (9/275)، بداية المجتهد (2/125، 147)، مسائل ابن هانئ (2/191)، نيل الأوطار (3/538)، الفقه الإسلامي وأدلته (5/3404).
([3]) الفقه الإسلامي وأدلته (5/3648)، قضايا اقتصادية (1/220)، بيع المرابحة (ص/180)، رسالة الاستصناع، د/ سعد الثبتي (ص/145).