وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا».
وَفِي لَفْظٍ: «لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَمْرٌ فِي مَالِهَا, إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ, وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
تخريج الحديث:
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: رواه أحمد (2/179)، وأبو داود (3546)، والنسائي (5/65)، وابن ماجه (2388) وغيرهم وسنده حسن، ورواه الإمام أحمد (2/22) عن مجاهد قال: «أحسبه عن رسول الله H به»، وهو مرسل حسن. ورواه عبد الرزاق (9/125) عن طاوس مرفوعًا بنحوه، وهو مرسل صحيح، وله شواهد أخرى ضعيفة، فالحديث يرتقي إلى الصحة بمجموع طرقه.
فقه الحديث:
مسألة: تصرف المرأة من مالها([1]):
هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال عند العلماء:
الأول: لا يجوز لها التصرف في مالها مطلقًا، بتبرع أو هبة أو صدقة نفل، إلا بإذن زوجها، فمالها محجور عليه؛ لما ثبت عن النبي H أنه قال: «لَا يَجُوزُ لِاِمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا»، وفي لفظ: «لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَمْرٌ فِي مَالِهَا، إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا»، وهذا اللفظ أعم، وهو مبين - أيضًا - للعطية التي لا تجوز من المرأة إلا بإذن زوجها، وهي التي تكون من مالها.
وهذا قول قلة من السلف، وهو رواية للإمام أحمد.
الثاني: لا يجوز لها التصرف في مالها بزيادة على الثلث، بتبرع أو هبة أو صدقة نفل، إلا بإذن زوجها؛ لما جاء في الحديث من اشتراط إذن الزوج في ذلك، ولأن حق الزوج متعلق بمالها كتعلقه ببدنها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة I أن النبي H قال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا،...»، فذكر منها: مالها.
ويجوز لها التصرف بالثلث من مالها فما دون بغير إذن زوجها، وليس له منعها، قياسًا على الوصية، فالمريض يجوز له أن يوصي من ماله بالثلث، ولا يمنعه الورثة من ذلك، فكذلك هنا في عطية وصدقة المرأة.
وأما ما يجب في مالها؛ فليس لزوجها منعها منه مطلقًا، كالزكاة وكنَفَقَاتها على أبويها.
وهذا مذهب المالكية ورواية للإمام أحمد.
الثالث: يجوز للمرأة التصرف في مالها مطلقًا في تبرع أو هبة أو صدقة نفل، وليس لزوجها منعها ما دامت بالغة رشيدة، فقد قال تعالى: ﴿ وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ ﴾ [النساء: ٦]، ففي الآية نص على فك الحجر، وهو عام في الذكر والأنثى.
وأيضًا حث الشرع النساء على الصدقة والعتق، ولم يأمرهن باستئذان أزواجهن، وكانت النساء يتصدقن ويعتقن بين يدي النبي H، ولم يسألهن عن إذن أزواجهن في ذلك.
وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده له أجوبة، منها:
- أنه حديث ضعيف شاذ، فقد خالف متنه أحاديث صحيحة كثيرة.
- أن ما جاء فيه من طلب استئذان الزوج فهو للاستحباب، من باب الأدب وحسن العشرة؛ جمعًا بين الأدلة، وليس ذلك محرمًا عليها.
- أن ما جاء في الحديث؛ فهو من العام المخصوص، فالمراد به المرأة السفيهة، فخرجت الرشيدة؛ جمعًا بين الأدلة، وهذا مذهب جمهور العلماء، ورجحه ابن باز وابن عثيمين، وهو الأرجح، جمعًا بين الأدلة.
وأما تصرف المرأة في مال زوجها؛ فقد سبق الكلام عليه في (باب صدقة التطوع).
([1]) المغني (6/602)، فتح الباري (5/535)، الإنصاف (5/342)، الموسوعة الفقهية (26/329)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4505).