عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ, إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا وَأَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ, إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا وَأَحَلَّ حَرَامًا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ; لِأَنَّ رَاوِيَهُ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِوِ بْنِ عَوْفٍ ضَعِيفٌ.
وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ.
(877) 02- وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
تخريج الحديثين:
حديث عمرو بن عوف المزني I: رواه الترمذي (1357) وابن ماجه (2353) وغيرهما، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه كثير بن عبد الله بن عمرو، شديد الضعف.
وقول المصنف عن الترمذي: «وَكَأَنَّهُ اِعْتَبَرَهُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ» أي: بكثرة شواهده، فقد جاء – أيضًا - من حديث أبي هريرة وأنس وعائشة وابن عمر ورافع بن خديج M([1]).
وحديث أبي هريرة I: رواه أحمد (2/366)، وأبو داود (3594)، وابن حبان (5091) وغيرهم، وإسناده حسن.
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: إرشاد الحاكم المتخاصمين إلى الصلح([2]):
قال الفقهاء: لا بأس أن يرغب الحاكم الخصوم بالصلح، فقد قال تعالى:
﴿ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞ ﴾ [النساء: ١٢٨]، وقال رسول الله H: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ»، فالحث على الصلح طلب للخير، ولا يجبرهم على ذلك، فالصلح لا يكون إلا مع رضى الخصوم، فإن لم يرضوا به تتبع الحاكم الحجج، وقضى لمن معه الحجة على من قامت عليه الحجة.
المسألة الثانية: من صور الصلح([3]):
الصورة الأولى: الصلح بوضع بعض الحق.
كما لو ادعى صاحب الحق على الغريم أن عنده له ألف ريال، فيصالحه على خمسمائة ريال، ويسقط الباقي بطيب نفسه، ولا خلاف بين العلماء في أباحة هذا الصلح، ويسمى إبراءا أو هبة.
الصورة الثانية: الصلح عن مال بمال آخر.
مثلًا: يدعي عليه عبدًا، فيقره الغريم على ذلك، فيصالحه على أثواب عوضًا عن العبد بطيب نفس من الطرفين، وهذا جائز – كذلك - بلا خلاف بين العلماء، ويعتبر من البيع، فيجوز فيه ما يجوز في البيع، ويحرم فيه ما يحرم فيه.
الصورة الثالثة: الصلح عن مال بمنفعة.
يقره على مال عنده له ويصالحه عوضًا عنه بمنفعة، كسكنى دار أو خدمة عبد أو أن يعمل له عملًا معلومًا، وهذا جائز باتفاق العلماء، وهو من الإجارة الجائزة، وله حكم سائر الإجارات، وأحكام الإجارة ستأتي.
المسألة الثالثة: الصلح عن المجهول بالمعلوم([4]):
صورته: أن يقر الغريم بمال للمدعي، ولا يعرفان قدره، فيصطلحان على شيء معلوم بدلًا عنه.
وهذا الصلح عن المجهول بالمعلوم صلح جائز لأن الصلح إسقاط حق، فصح في المجهول كما يصح في المعلوم، ولأنه لو لم يصح لأفضى إلى ضياع المال، وليس هو من البيع حتى يشترط فيه أن يكون المعوض عنه معلومًا، ولو سلمنا أنه بيع فالبيع يصح في المجهول أحيانًا عند الحاجة، كبيع أساسات الحيطان، ويشترط تحلل كل واحد من صاحبه.
وهو مذهب الحنفية، والصحيح عند الحنابلة، واختاره الإمام الشوكاني.
([1]) تلخيص الحبير (3/26، 51).
([2]) الفقه الإسلامي وأدلته (6/4330).
([3]) المغني (8/12)، المحلى مسألة (1270)، روضة الطالبين (3/428)، بداية المجتهد (2/294)، حاشية ابن عابدين (8/353)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4332، 4344).
([4]) المغني (8/22)، المجموع شرح المهذب (13/388)، حاشية ابن عابدين (8/352)، الإنصاف (5/342)، نيل الأوطار (3/682)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4353).