وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ». رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا».
تخريج الحديث:
حديث أبي حميد الساعدي I: رواه أحمد (5/425)، وابن حبان (5978)، والبيهقي (6/100)، وإسناده حسن.
فقه الحديث:
مسألة: الصلح مع الإنكار([1]):
صورته: أن يدعي شخص على آخر مالًا، فيكذبه المدعَى عليه، فيصطلحان على مال معين دفعًا للخصومة وقطعًا للمنازعة، وقد اختلف الفقهاء فيه:
فقال الشافعية والظاهرية والإمام أحمد في رواية: هو صلح باطل، لأن المدعى عليه إنما صالحه خشية أن يرفعه إلى الحاكم وقطعًا للمنازعة من غير طيب نفسه، والمدعي إنما صالحه على بعض ما يدعيه مع إسقاط البعض خوفًا من ذهاب جميع حقه، فهو مكره على ذلك غير طائب النفس، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ ﴾ [البقرة: ١٨٨]، وقال رسول الله H: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»، فذكر العصا؛ لأنها من أقل المال وأتفهه، فمن باب أولى إذا كان المال أكثر من ذلك، وقد جاءت رواية بلفظ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقِّهِ»، وهذا عام.
وذهب جمهور العلماء إلى صحة هذا الصلح؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞ ﴾ [النساء: ١٢٨]، وقول H: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ»، فالمدعي يرضى به عوضًا عن جميع حقه الذي يزعمه، وهذا مشروع، والمدعى عليه يرضى به لدفع الخصومة عن نفسه، وقطعًا للنزاع، وهذا – أيضًا - مشروع، والمال وجد لدفع الضرر، ولصيانة الأنفس عن المهالك والمفاسد، وقبول الصلح يشعر بالرضا وطيب النفس، فلا يكون من أكل المال بالباطل، وإنما يحرم الصلح الذي يحل الحرام أو يحرم الحلال، وليس هذا منه، وهذا هو الأرجح.
([1]) المحلى مسألة (1269)، المغني (8/6)، روضة الطالبين (3/432)، مجموع الفتاوى (30/72)، فتح باب العناية (3/185)، الإنصاف (5/443)، جامع الاختيارات الفقهية (3/1168)، نيل الأوطار (3/683).