وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً... الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ, وَقَدْ تَقَدَّمَ.
تخريج الحديث:
حديث عروة البارقي I: رواه البخاري (3642) وغيره، وقد تقدم في (باب شروط البيع).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: بكم يبيع الوكيل وبكم يشتري([1]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجوز للوكيل أن يبيع بأقل من ثمن المثل، ولا يجوز له أن يشتري بأكثر من ثمن المثل؛ لأنه منهي عن الإضرار بالموكل، ومأمور بالنصح له، وفي النقصان عن ثمن المثل في البيع وفي الزيادة عنه في الشراء إضرار بالموكل وترك للنصح له.
وكذلك لا يبيع له إلا بعملة البلاد نقدًا؛ لأن المتعارف عليه البيع بثمن المثل وبالنقد وبعملة البلاد.
فإذا باع بأقل من ثمن المثل، أو اشترى بأكثر منه؛ فمذهب الحنفية والمالكية، والمشهور عند الحنابلة، ووجه للشافعية: أنه يصح البيع والشراء، ويأثم الوكيل؛ لأنه خالف أمر الموكل، فيصير مشتريًا وبائعًا لنفسه، ويصح البيع أو الشراء؛ لأن ما خالف فيه الوكيل ليس في أصل العقد، بل في وصفه، فيصح البيع بثمن المثل أو بدونه، ويصح الشراء بثمن المثل أو بأكثر، والضرر بالنقص أو الزيادة يضمنه الوكيل، وهذا هو الراجح.
وإذا اشترى بأقل من ثمن المثل، أو باع بأكثر منه؛ فالصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يصح البيع والشراء أيضًا؛ لأنه حصل المطلوب وزيادة، ويلزم الموكل به؛ لأن الوكيل خالف إلى الخير والأفضل، وقد وكل النبي H عروة البارقي I أن يشتري له شاة بدينار، فاشترى شاتين به، وباع إحداهما بدينار، فرجع إلى النبي H بالشاة والدينار، فقبل منه رسول الله H ودعا له.
المسألة الثانية: بيع الوكيل لنفسه أو أقاربه([2]):
قال جمهور العلماء: لا يجوز للشخص إذا وكل في بيع شيء أن يشتريه لنفسه؛ لأن هذا يقتضي أن يكون شخص واحد في زمن واحد مسلِّمًا ومستلمًا ومضارِبًا ومضارَبًا، وهذا فيه تناقض، ولأن المطلوب من الوكيل الحرص للموكل في البيع له، وإذا أراد شراءه لنفسه سعى في الاسترخاص، والإنسان مجبول على تغليب حظ نفسه على حظ غيره، وهذه التهمة تطعن في الوكالة.
والقول الثاني: يجوز للوكيل أن يشتري ما وكل ببيعه؛ لأن المقصود الشراء وتحصيل الثمن، ولم يمنعه الموكل من الاشتراء، بشرط أن يشتريه بأعلى ثمن تناهت إليه رغبات المشترين، وانتهى الثمن عليه، حتى لا تكون هنالك محاباة لنفسه، ولا تقع التهمة عليه، وهذا قول للإمام أحمد، ورواية للمالكية، وقال به بعض الشافعية، والقول الأول أحوط؛ سدًّا لباب الخيانة، وقطعًا لأسباب التهمة.
وأما إذا أذن له الموكل أن يشتريه لنفسه؛ فلا إشكال في جوازه حينئذ، وعلى هذا جمهور العلماء.
ويجوز له أن يبيعه لأبيه وولده؛ لأن أملاكهم متباينة، فلا يملك أحدهم ما يملكه الآخر، بشرط أن يبيعه لهم بما تناهت إليه رغبات المشترين وانتهى إليه الثمن، فلا تهمة حينئذ، وهذا مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية، ورواية للحنابلة، وقول جماعة من الحنفية.
وأما بيعه لزوجته ولسائر أقاربه كالإخوة؛ فهو جائز عند جمهور العلماء، بشرط أن يبيعه لهم بالثمن الذي لو باعه لأجنبي لباعه له بذلك الثمن.
([1]) المحلى مسألة (1364)، المغني (8/247)، روضة الطالبين (3/546)، حاشية الدسوقي (5/61)، الإنصاف (5/379)، الفقه الإسلامي وأدلته (5/4092)، الشرح الممتع (4/221).
([2]) المغني (8/228، 231)، المجموع شرح المهذب (14/122)، روضة الطالبين (3/538)، بداية المجتهد (2/303)، الإنصاف (5/375)، حاشية الدسوقي (5/68)، الفقه الإسلامي (5/4096).