وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أُعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر L: رواه ابن ماجه (2443)، وابن زنجويه في كتاب «الأموال» (2091)، والصواب في الحديث الإرسال، وجاء من حديث أبي هريرة I رواه أبو يعلى (6622)، والبيهقي (6/121) من طريقين فيهما ضعف، ورواه الطبراني في «الجامع الصغير» (34) من حديث جابر I، وفي إسناده ضعيفان، والحديث حسن لغيره بشواهده.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: وقت استحقاق الأجرة([1]):
إذا كانت الأجرة على عمل، كمن استأجر شخصًا ليقوم له بعمل ما؛ فلا خلاف بين العلماء أنه يستحق الأجرة بعد انتهائه من العمل المطلوب منه، وتسليم العمل للمستأجِر، ولا يجوز للمستأجر تأخير أجرته بغير رضاه، وقد قال تعالى: ﴿ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فََٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ [الطلاق: ٦]، فأمر بإعطائهن الأجرة بعد الإرضاع، وفي الحديث يقول تعالى: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ:... وَرَجُلٌ اِسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ»، وقال النبي H: «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ»، وهذا كناية على سرعة إعطاء حقه
وعدم تأخيره.
وأما إذا كانت الأجرة على إجارة العين -كإجارة الدار أو الدكان-؛ فالصحيح من أقوال أهل العلم: أن المؤجِر يستحق الأجرة بمجرد عقد الإجارة إذا لم يشترط عليه المستأجر التأجيل، كما يملك البائعُ الثمنَ بمجرد عقد البيع، وكما تملك المرأةُ الصداقَ بمجرد عقد النكاح قبل الاستمتاع بها.
والأدلة السابقة وردت في الأجير يستأجر على عمل، وأما ما كانت الإجارة فيه على مدة؛ فلم تتعرض الأدلة لها.
وأيضًا الأمر بدفع الأجرة بعد الانتفاع بالعين لا يمنع من استحقاق المؤجر للأجرة قبل ذلك.
وهذا مذهب الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، ورجحه ابن عثيمين.
المسألة الثانية: ما تلف بيد الأجير من مال المستأجر([2]):
إذا كان الأجير أجيرًا خاصًّا، وهو الذي يستأجر مدة معلومة؛ فلا يعمل فيها لغير مستأجره، فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا ضمان عليه فيما تلف، ما لم يتعدَّ أو يفرط، لأن الأجير الخاص نائب عن المالك فكان كالوكيل، والوكيل لا يضمن التلف إلا بتعدي أو تفريط، ولأن عمله غير مضمون عليه، لهذا يستحق الأجرة كاملة في مدة الإجارة، ولو لم يكلف بعمل.
وأما إذا كان الأجير مشتركًا، وهو الذي يعمل لعامة الناس، كالنجار والخباز والحمال والخياط؛ فالصحيح الذي عليه جماعة من السلف والمالكية والحنابلة ووجه للشافعية: أنه ضامن لما حصل من التلف بفعله، ولو لم يتعد أو يفرط، لأن عمله مضمون عليه، لهذا لا يستحق الأجرة إلا بالعمل، وأيضًا صيانة لأموال الناس، وقد جاء عن علي I أنه كان يضمن الأجراء والصباغ ويقول: «لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ»، رواه البيهقي (6/122) من طريقين يرتقيان إلى الحسن إن شاء الله؛ فعليه: لا يستحق من الأجرة شيء.
([1]) بداية المجتهد (2/228)، المغني (8/17)، الإنصاف (6/80)، الفقه الإسلامي وأدلته (5/3838)، الشرح الممتع (4/364)، الموسوعة الفقهية (1/265، 270).
([2]) المغني (8/103)، الاستثناء في القواعد الفقهية (ص/170)، الشرح الممتع (4/358).