وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
تخريج الحديث:
حديث عبد الله بن المغفل I: رواه ابن ماجه (2486) بإسناد ضعيف، فهو عن الحسن البصري عن ابن المغفل I، ولم يصرح بالسماع منه، وفي سنده أيضًا إسماعيل بن مسلم المكي شديد الضعف، لكن قال المصنف في كتابه «التلخيص»: إنه متابع. وجاء أيضًا من حديث أبي هريرة I، رواه الإمام أحمد (2/494)، وفي سنده رجل مبهم، وجاء التصريح بأن المبهم هو ابن سيرين عند الدارقطني في علله (10/46)، والبيهقي (6/155) بإسناد صحيح، وقد صحح الحديث الأرنؤوط، تحقيق «مسند أحمد»، وحسنه الألباني V([1]).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: حريم البئر في الأرض الموات([2]):
الحريم: هو ما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع بالمعمور، كحريم البئر وفناء الدار، فالحريم هي الساحة حول المعمور يحتاج إليها، وليس لأحد أن يعتدي عليها.
وقد اختلف الفقهاء في تقدير حجم حريم البئر إذا حفر شخص بئرًا في أرض موات لسقي مواشيه:
فقيل: حريم البئر العادية يقدر بخمسين ذراعًا من كل جانب، والبئر غير العادية يقدر بنصف العادية، أي: بخمس وعشرين ذراعًا من كل جانب. والعادية: هي البئر القديمة، وغير العادية: هي البئر المحدثة. وهذا هو المشهور عند الحنابلة ورجحه ابن باز؛ لما رواه الدراقطني (4/220) والبيهقي (6/155) عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة I قال: قال رسول الله H: «حَرِيمُ الْبِئْرِ الْبَدِيِّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا»، والصحيح في هذا الحديث أنه عن سعيد بن المسيب مرسلًا، كما رجحه الدارقطني، ومراسيل ابن المسيب أصح المراسيل.
وقيل: حريم البئر أربعون ذراعًا من كل جانب، ونسب هذا لجمهور العلماء.
ودليله: ما جاء عن النبي H أنه قال: «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ»، والعطن: مواطن الإبل ومرابض الغنم حول الماء.
وقيل: لا حد له، وإنما يكون بقدر ما يكفيه، كموقف للنازح منها والحوض ومجتمع الماء، وهذا هو المشهور عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة؛ لعدم ثبوت دليل في تحديد قدر حريم البئر في الأرض الموات.
والقول الثاني هو الأرجح؛ بناءًا على ثبوت حديثه، وعلى عدم ثبوته؛ فالعمل على القول الثالث.
المسألة الثانية: من حفر في أرضه بئرًا فأدى إلى نشوف بئر جاره([3]):
اختلف الفقهاء في حكم فعله هذا على قولين:
القول الأول: يجوز له فعل ذلك؛ لأنه تصرف في ملكه المختص به، وهذا مذهب الشافعية، والمشهور عند الحنفية، ورواية للحنابلة.
القول الثاني: لا يجوز له فعل ذلك؛ لأن الحريم يشمل باطن الأرض كظاهرها، ولما فيه من إضرار بالآخرين، وعليه تحدد مسافة كافية بين البئرين لا يحصل بسببها الضرر على أحد، وهذا مذهب المالكية، وهو الصحيح عند الحنابلة، وقول بعض الحنفية، وهو الراجح
([1]) السلسلة الصحيحة (251).
([2]) المحلى مسألة (1350)، الحاوي الكبير (7/488)، المغني (8/178)، الإنصاف (6/369)، سبل السلام (3/180)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4631)، منحة العلام (6/481).
([3]) المغني (7/52)، الإنصاف (5/260)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4634).