وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ, فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ? فَقَالَ: «لَكَ السُّدُسُ» فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «لَكَ سُدُسٌ آخَرُ» فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ. فَقَالَ: «إِنَّ السُّدُسَ الْآخَرَ طُعْمَةٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ, وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
تخريج الحديث:
حديث عمران بن حصين I: رواه أحمد (4/429)، وأبو داود (2896)، والنسائي في الكبرى (6/110)، والترمذي (2099)، ولم يروه ابن ماجه، وإسناده ضعيف، فهو عن الحسن البصري عن عمران I، والحسن مدلس، ولم يصرح بالسماع منه I، وقد قال جماعة من الحفاظ: إنه لم يسمع من عمران I مطلقًا([1]).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: ميراث الأب([2]):
لا خلاف بين العلماء أن للأب في الميراث ثلاث حالات: فيرث فرضًا، ويرث فرضًا وتعصيبًا، ويرث تعصيبًا.
فيرث فرضًا: إذا كان للميت ابن، فيرث الأب السدس فرضًا، لقوله تعالى:
﴿ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞ ﴾ [النساء: ١١].
ويرث فرضًا وتعصيبًا: إذا كان مع الميت بنت فأكثر، ولا ابن له، فيرث الأب السدس فرضًا، لقوله تعالى: ﴿ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞ ﴾ [النساء: ١١]، فقوله: ﴿ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞ ﴾ يشمل الذكر والأنثى، ويرث ما بقي بعد فرض البنت فأكثر تعصيبًا، لقوله H: «الحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»، والأب أولى ذكرٍ وارثٍ هنا.
ويرث تعصيبًا: إذا لم يكن للميت ولد من ذكر أو أنثى، فيحجب الأبُ جميعَ الإخوة.
المسألة الثانية: ميراث الجد([3]):
أجمع العلماء على أن الجد أبا الأب بمنزلة الأب، يرث ما يرثه ويحجب من يحجبه، إلا الإخوة لأبوين أو لأب؛ ففيه خلاف، لأن الجد أب؛ فعليه: يرث الجد فرضًا عند وجود ابن الميت، فيرث السدس لا غير.
ويرث فرضًا وتعصيبًا عند وجود بنت فأكثر للميت مع عدم وجود الابن، فيرث السدس فرضًا، وما بقي عن فرض البنت فأكثر تعصيبًا، وقد جاء جد إلى النبي H فقال: «إِنَّ اِبْنَ اِبْنِي مَاتَ، فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ؟ فَقَالَ: لَكَ السُّدُسُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: لَكَ سُدُسٌ آخَرُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُعْمَةٌ»، أي: هو لك زيادة عن نصيبك المقدر فرضًا، وإنما اعطاه هذا السدس بعد أن ولى ودعاه، حتى لا يظن أنه استحقه فرضًا، وهذا عند وجود بنتين فأكثر للميت.
ويرث تعصيبًا عند عدم وجود ولد للميت.
وهذا كله بشرط عدم وجود الأب، وإلا فلا يرث الجد شيئًا بالإجماع؛ لأنه محجوب بالأب، لأن الجد يُدْلِي بالأب وهو من جنسه، والأصل في علم الفرائض أن من يدلي بشخص من جنسه أنه لا يرث معه.
أمثلة: هالك عن جد وبنت: للبنت النصف فرضًا، وللجد السدس فرضًا، والباقي للجد تعصيبًا.
هالك عن جد وبنتين: للبنتين الثلثان فرضًا، وللجد السدس فرضًا، والسدس المتبقي للجد تعصيبًا، وهو صورة الحديث المذكور.
هالك عن جد وعم: المال كله للجد تعصيبًا، ولا شيء للعم.
هالك عن جد وأب: المال كله للأب تعصيبًا، ولا شيء للجد.
ويحجب الجد الإخوة لأم وابن الأخ والعم وابن العم، بلا خلاف بين العلماء.
واختلفوا في حجب الجد للإخوة لأبوين أو لأب، على قولين:
القول الأول: لا يحجب الجد الإخوة لأبوين، أو الإخوة لأب، فيرثون معه، خلافًا للأب، فلا دليل على حجبه لهم من نص أو إجماع، والأخ والجد يستويان في قربهما من أب الميت، فالجد أبوه والأخ ابنه، وقد صح هذا القول عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد M، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد.
القول الثاني: يحجب الجد الإخوة لأبوين أو لأب؛ فلا يرثون معه، كالأب؛ لأن الجد يسمى أبًا في الشرع، ولأنه يحجب الإخوة لأم بالإجماع، فكذلك بقية الإخوة، ولأن ابن الابن يحجب جميع الإخوة كالابن، فكذلك أبو الأب يحجبهم جميعًا كالأب، وهذا ثابت عن أبي بكر وابن الزبير وابن عباس وعمر M أيضًا، وهو مذهب الحنفية والظاهرية، وبعض الشافعية، وقول ابن تيمية وابن القيم، وهو الأرجح.
وأما الجد أبو الأم؛ فليس وارثًا بالإجماع، لأنه يدلي بالأنثى وهي أم الميت، فهو من ذوي الأرحام، والأصل في الفرائض أن من أدلى بأنثى أنه لا يرث.
([1]) المراسيل لابن أبي حاتم (ص/38)، جامع التحصيل (ص/195).
([2]) المغني (9/20)، بداية المجتهد (2/342).
([3]) المغني (9/20، 65)، بداية المجتهد (2/346)، المحلى مسألة (1733)، الاستذكار (15/443)، مجموع الفتاوى (31/342)، فتح الباري (13/505)، التحقيقات المرضية (ص/139).