وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا ذُو مَالٍ, وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا اِبْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ, أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي? قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ? قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ? قَالَ: «الثُّلُثُ, وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ, إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث سعد بن أبي وقاص I: رواه البخاري (1295)، ومسلم (3628).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: المقدار المشروع في الوصية([1]):
استقر الإجماع على جواز الوصية بثلث التركة، ومنع الوصية بأزيد منه، فقد قال سعد بن أبي وقاص I لرسول الله H: «أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لَا قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ؟»، فقال
رسول الله H: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»، فلم يوافقه إلا على الثلث.
وإذا أوصى بأكثر من الثلث، ورضي الورثة؛ صحت الوصية عند جمهور العلماء، وهو الراجح؛ لأن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان في الأصل لحق الورثة، فإذا أجازوه جاز.
المسألة الثانية: الوصية بالمنفعة([2]):
كأن يوصي بخدمة عين يملكها لشخص، أو بغلة بستانه لشخص أو أكثر، أو بسكنى داره، أو بنفقة على إنسان لمدة مسماة.
فمذهب الظاهرية: عدم صحة هذه الوصية؛ لأن التركة تكون بعد موت صاحبها ملك للورثة، فلا تصح الوصية في الانتفاع بها.
ومذهب جمهور العلماء على صحة هذه الوصية، فلا مانع منها، بشرط عدم الزيادة على ثلث ماله.
وهذا هو الراجح.
المسألة الثالثة: الرجوع في الوصية قبل الموت([3]):
أجمع العلماء على أنه يجوز للموصي أن يرجع في جميع ما أوصى به أو في بعضه قبل موته؛ لأن وقت إخراجها لم يأت بعد، فالوصية مقيدة ببعد موت الموصي.
([1]) المغني (8/404)، المحلى مسألة (1753)، فتح الباري (6/19).
([2]) المحلى مسألة (1757).
([3]) المغني (8/468)، المحلى مسألة (1765).