2024/12/29
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ L قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

تخريج الحديث:

حديث أبي هريرة I: رواه أحمد (2/324)، وأبو داود (2052)، وإسناده حسن.

فقه الحديث:

مسألة: نكاح المسلم العفيف للمسلمة الزانية والعكس([1]):

اختلف العلماء في هذه المسألة:

القول الأول: يجوز للمسلم العفيف أن يتزوج بالمسلمة الزانية، ويجوز للمسلمة العفيفة أن تتزوج بالمسلم الزاني، مع الكراهة، فقد ذكر الله D المحرمات على الرجل فقال: ﴿ حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ ثم قال: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ [النساء: ٢٣ - ٢٤]، ولم يذكر في المحرمات عليه نكاح الزانية، ولما رواه أبو داود (2048) وغيره عن ابن عباس L: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ H فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ: غَرِّبْهَا، قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا»، وقد صححه بعض أهل العلم - وسيأتي في (باب اللعان) -. والعرب تكني بمثل هذه العبارة عن عدم العفة من الزنى، ولم يجبره النبي H على مفارقتها.

وأما قوله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞ [النور: ٣]، فالمراد بالنكاح هنا: هو الجماع عن طريق الزنى، وليس المراد به الزواج، والمعنى: الزاني لا يزني حين يزني إلا بمسلمة زانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا مسلم زانٍ أو مشرك.

ولو كان معنى النكاح هنا: الزواج؛ للزم من ذلك أن الزاني المسلم يجوز له الزواج بالمشركة، وأن الزانية المسلمة يجوز لها الزواج بالمشرك، وهذا لا يجوز بلا خلاف بين العلماء، أو تكون هذه الآية منسوخة.

وهذا مذهب جمهور العلماء.

القول الثاني: لا يصح زواج المسلم العفيف بالمسلمة الزانية، ولا زواج المسلمة العفيفة بالمسلم الزاني، لقوله D: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞ [النور: ٣]، والمراد بالنكاح هنا: عقد الزواج، لا وطء الزنى، ويدل عليه سبب نزول هذه الآية، وهو ما رواه أبو داود (2051) وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى بِمَكَّةَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا: عَنَاقُ، وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ H فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْكِحُ عَنَاقَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي، فَنَزَلَتْ: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ ، فَدَعَانِي، فَقَرَأَهَا عَلَيَّ، وَقَالَ: لَا تَنْكِحْهَا»، وسنده حسن.

وروى الإمام أحمد (2/158) وغيره عن عبد الله بن عمرو L: «أَنَّ رَجُلًا منْ المُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ H فِي امْرَأة يُقًالُ لَهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ، وَكَانَتْ تُسَافِحُ،... فَقَرَأَ عَلَيْهِ نَبِي اللهِ H: ﴿ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞ ، وسنده حسن.

ودعوى نسخ هذه الآية لا دليل عليه.

ويكون معنى الزواج من المشركين في الآية: أن من نكح الزانية فهو إما زانٍ وإما مشرك، فإن نكحها مع اعتقاده حرمته؛ فهو زانٍ، فلو كان مؤمنًا حقًّا لم يقدم على نكاحها، وإن كان مستحلًّا له لا يعتقد حرمته؛ فهو مشرك.

وقد ثبت عن النبي H أنه قال: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي المَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ»، والوصف بالمجلود -الذي أقيم عليه الحد- بناء على الأغلب في حق من ظهر منه الزنى، ونكاح الزانية يخرج من عموم قوله: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ [النساء: ٢٤] بدليل خاص، كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.

وأما حديث ابن عباس L؛ فقد ضعفه بعض العلماء.

وقال بعضهم معناه: لا ترد طالب مال.

وقال بعضهم: المراد أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة، لا أنها تأتي الفاحشة.

وعلى التسليم أن معناه: الزنى؛ فهذا إنما هو بعد النكاح، والمسألة مفروضة في نكاح الزانية ابتداء، وستأتي هذه المسألة في (باب اللعان)، وهي مسألة: «إذا زنى أحد الزوجين».

وهذا مذهب بعض السلف، والمذهب عند الحنابلة، ورجحه ابن حزم ابن تيمية وابن القيم وعلماء اللجنة الدائمة([2])، وهو الأرجح.

 

([1]) تفسير القرطبي (15/116)، أضواء البيان (6/73)، تفسير الطبري (19/96)، تفسير السعدي (ص/510)، المغني (9/562)، المحلى مسألة (1843)، مجموع الفتاوى (32/101، 114، 144)، زاد المعاد (5/114).

([2]) فتاواها (18/383).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1033