وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَدَّ النَّبِيُّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ, بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ, وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ, وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ, وَالْحَاكِمُ.
(1017) 09- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ - أَنَّ النَّبِيَّ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَجْوَدُ إِسْنَادًا, وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
(1018) 10- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ, فَتَزَوَّجَتْ, فَجَاءَ زَوْجُهَا, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ أَسْلَمْتُ, وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِي, فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ H مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ, وَرَدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَابْنُ مَاجَهْ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ.
تخريج الأحاديث:
حديث ابن عباس L: رواه أحمد (1/217)، وأبو داود (2237)، والترمذي (1143)، وابن ماجه (2009) وغيرهم عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس L، ورواية داود بن الحصين عن عكرمة فيها ضعف. وللحديث شواهد مراسيل صحيحة عند سعيد بن منصور([1]) وابن سعد([2]) والطحاوي([3])، فالحديث حسن لغيره. وقد صححه الإمام أحمد([4]).
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: رواه أحمد (2/208)، والترمذي (1142)، وابن ماجه (2010)، وإسناده ضعيف، فيه الحجاج بن أرطأة فيه ضعف، ولم يسمعه من عمرو بن شعيب، وقد قال الترمذي: «حديث ابن عباس L أجود إسنادًا»، وقال البخاري: «حديث ابن عباس L أصح([5])».
حديث ابن عباس L: رواه أحمد (1/232)، وأبو داود (2236)، والترمذي (1144)، وابن ماجه (2008)، وإسناده ضعيف، فهو من رواية سماك عن عكرمة، وهي رواية مضطربة.
فقه الأحاديث:
أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بالمشرك ولو كان كتابيًا، قال D: ﴿ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْ ﴾ [البقرة: ٢٢١].
وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج بالمشركة غير الكتابية، فقد قال D: ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّ ﴾ [البقرة: ٢٢١].
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يجوز له أن يتزوج بالكتابية، وهي اليهودية أو النصرانية، لقوله D: ﴿ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ ﴾ [المائدة: ٥]، وهذه الآية مخصصة لعموم الآية السابقة، أو ناسخة لها؛ لأنها متأخرة عنها.
أجمع العلماء على أن الزوجين المشركين إذا أسلما في وقت واحد؛ فإنهما يقران على نكاحهما الأول، وقد أسلم خلق مع نسائهم على عهد رسول الله H ولم يفرق بينهم.
واختلفوا إذا أسلم أحدهما قبل الآخر؛ فذهب جمهور العلماء ـ في الجملة ـ على أن الأمر يتوقف على عدة المرأة، فإن أسلم الآخر قبل انقضاء عدة المرأة؛ فهما على النكاح الأول، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة؛ فلا يجمع بينهما إلا بعقد جديد، فالعبرة بعدة المرأة، لأنها كالمطلقة الرجعية، وقد روى الإمام مالك في «الموطأ» (1/597) «أن امرأة صفوان أسلمت ولم يسلم ثم إنه أسلم بعد شهر، فَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللهِ H بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ»، وروى البيهقي (7/186) أن أبا سفيان بن حرب أسلم، وأقامت زوجته أيًاما ثم أسلمت، فثبتا على النكاح، وهذا لا شك أنه كان قبل انقضاء عدتهما. وروى البخاري عن عطاء عن ابن عباس: «كان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل النكاح ردت إليه».
وأجابوا على حديث ابن عباس L في إسلام أبي العاص I بأنه حديث ضعيف، فقد جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله H رد ابنته زينب J إليه بنكاح جديد، أو أنه منسوخ بقوله تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: ١٠]، أو أن عدتها طالت، فرجع لها في عدتها.
وذهب بعض السلف وأحمد في رواية، واختاره ابن حزم: إلى أن الفرقة تحصل مباشرة بمجرد إسلام أحدهما، فإذا أسلم الآخر وأرادا الرجوع لبعضهما؛ فلا بد من عقد جديد، سواء انقضت العدة أم لم تنقض، لقوله تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: ١٠]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ [الممتحنة: ١٠].
وذهب بعض السلف وداود الظاهري وابن تيمية وابن القيم، واختيار الصنعاني والشوكاني وابن عثيمين رحمهم الله([8]): إلى أنه إذا أسلم أحدهما لم ينفسخ النكاح بإسلامه، فمتى أسلم الآخر وأرادا الرجوع لبعضهما صح ذلك بغير نكاح جديد، وإن طالت المدة وانقضت العدة، إلا إذا كانت المرأة قد تزوجت غيره؛ فلا ترجع إليه بالعقد الأول، فقد رد النبي H ابنته زينب J على أبي العاص I بالنكاح الأول بعد ست سنين، وفي رواية بعد سنتين، ولم يحدث شيئًا. وما جاء عنه أنه ردها إليه بمهر جديد ونكاح جديد؛ فهو ضعيف، وأيضًا لا يعرف أن رسول الله H جدّد نكاح زوجين سبق أحدهما الآخر بإسلامه، لا في العدة ولا بعدها، وقد أسلم خلق كثير مع نسائهم، وكان أحيانًا يسلم أحدهما ويتأخر إسلام الآخر.
وقوله سبحانه: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: ١٠] و﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ [الممتحنة: ١٠] تدلان على تحريم بقاء المسلمة مع الكافر، والمسلم مع الكافرة غير الكتابة، وهذا مما أجمع عليه العلماء، وليس فيهما أنهما إذا أرادا الرجوع لبعضهما إذا أسلم الآخر أنه لابد من عقد جديد.
وحديث صفوان وأبي سفيان L إسنادهما مرسل، وليس فيه اشتراط إسلام الآخر قبل انتهاء العدة، حتى ترجع إليه زوجته بالعقد الأول. وما رواه البخاري عن ابن عباس معل، أعله جماعة من الحفاظ بأن عطاء هنا هو الخراساني، ولم يسمع من ابن عباس، والراوي له ابن جريج، لم يسمع منه التفسير([9]).
والقول أن عدة زينب J بنت رسول الله H تطاولت حتى أسلم أبو العاص؛ هذا مستبعد في العادة، وهو مجرد ادعاء.
وهذا القول الأخير قوي. والأحوط: أن يجدد عقد نكاحها وبمهر جديد إذا كانت العدة قد انتهت اتفاقًا مع جمهور العلماء.
لا خلاف بين العلماء أنه يفرق بينهما، فإذا تاب من ارتد وعاد إلى الإسلام؛ فمذهب الحنفية والمالكية، ورواية لأحمد: أن المرأة لا ترجع لزوجها إلا بعقد جديد، ولو كان الرجوع قبل انقضاء العدة؛ لأن الردة منافية للعصمة وموجبة للعقوبة، فهي تبيح النفس والمال وتبطل النكاح، وقد أجمعوا على انفساخ النكاح إذا كانت الردة قبل الدخول بالمرأة، فكذلك هنا.
ومذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة: أن الأمر يقف على عدة المرأة، فإن أسلم المرتد قبل انقضاء العدة؛ فهما على النكاح الأول، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة بانت منه ولا ترجع إليه إلا بعقد جديد، فالردة فرقة كالطلاق الرجعي.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله: «إذا ارتد أحد الزوجين، ثم تاب المرتد وعاد للإسلام، وأراد الزوجان الرجوع لبعضهما؛ صح ذلك بالعقد الأول، ولو بعد مدة طويلة، ولا حاجة لعقد جديد، كما لو أسلم أحد الزوجين قبل الآخر»، وقد ارتد على عهد رسول الله H وعلى عهد الخلفاء خلق كثير، ومنهم من لم ترتد امرأته، ثم عادوا إلى الإسلام وعادت إليهم نساؤهم، ولم يعرف أن أحدًا منهم أُمر أن يجدد عقد نكاحه.
([1]) في سننه (2/3/ 73).
([2]) في الطبقات (8/32).
([3]) في شرح معاني الآثار (3/260).
([4]) في مسنده (2/208)، وصححه الألباني بشواهده في الإرواء (1921).
([5]) سنن البيهقي (7/188).
([6]) تفسير القرطبي، سورة البقرة، آية (221)، وسورة المائدة، آية (5)، المغني (9/545)، مجموع الفتاوى (32/178)، فتح الباري (10/522)، المحلى مسألة (1821).
([7]) فتح القدير لابن الهمام (3/418)، بداية المجتهد (2/49)، التمهيد لابن عبد البر (12/23)، المجموع شرح المهذب (16/295)، المغني (10/7)، مجموع الفتاوى (32/175)، زاد المعاد (5/133)، المحلى مسألة (939)، فتح الباري (10/527)، سبل السلام (3/283)، نيل الأوطار (6/162).
([8]) الشرح الممتع (12/247).
([9]) فتح الباري (10/524).
([10]) انظر المراجع السابقة، ومجموع الفتاوى (32/190)، أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/695).