وَعَنْ جُذَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي أُنَاسٍ, وَهُوَ يَقُولُ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ, فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ, فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْلَادَهُمْ شَيْئًا».
ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ? فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1034) 12- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي جَارِيَةً, وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا, وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ, وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ, وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ: أَنَّ الْعَزْلَ المَوْؤُدَةُ الصُّغْرَى. قَالَ: «كَذَبَتْ يَهُودُ, لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ, وَالنَّسَائِيُّ, وَالطَّحَاوِيُّ, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1035) 13- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ, وَلَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ فَلَمْ يَنْهَنَا.
تخريج الأحاديث:
حديث جذامة بنت وهب J: رواه مسلم (1442).
حديث أبي سعيد الخدري I: رواه أحمد (3/33)، وأبو داود (217)، والنسائي في الكبرى (8/222)، وفي إسناده رفاعة الراوي له عن أبي سعيد مجهول العين، لكن الحديث يثبت؛ لما له من طرق أخرى عن أبي سعيد I، وشاهد من حديث جابر I، رواه الترمذي (1168) وغيره، ورجاله ثقات،
وصححه الألباني([1]).
حديث جابر I: رواه البخاري (5207)، ومسلم (1439)، لكن قوله: «وَلَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ القُرْآنُ» ليس من قول النبي H ولا جابر I، وإنما هو من قول سفيان بن عيينة V، استنباطًا له من الحديث، وقوله هذا في ]صحيح مسلم[.
فقه الأحاديث:
الغيلة: أن يجامع الرجل زوجته وهي ترضع، ولا نعلم خلافًا في جوازه، وكان العرب يستقبحون ذلك، وقد هم النبي H أن ينهى عن الغيلة، فنظر في حال الروم وفارس فوجدهم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم، فلم ينه عنه، واستقباح العرب له ليس في مكانه.
وهذا فيه جواز الاستفادة من خبرات الآخرين، ولو كان من الكفار، بدون تعظيم لهم.
العزل: أن يجامع الرجل امرأته، فإذا قرب إنزال المني نزع وأنزل خارج الفرج.
وقد اختلفوا في حكمه؛ فذهب بعض السلف وابن حزم إلى تحريمه، ففي حديث جذامة بنت وهب J أن النبي H سئل عن العزل فقال: «ذَلِكَ الوَأْدُ الخَفِيُّ»، فشبهه بالوأد، والوأد: دفن المولود وهو حي، وهو فعل محرم، فكذلك ما شبه به وهو العزل.
والأدلة التي يفهم منها الإباحة منسوخة بالأحاديث التي فيها النهي عنه.
وذهب جمهور العلماء إلى عدم حرمة العزل، فقد قال جابر I: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله H وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ»، وفي لفظ لمسلم: «فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ الله H فَلَمْ يَنْهَنَا»، فلو كان محرمًا؛ لنهى عنه النبي H ولما سكت الشرع عن البيان، وفي حديث أبي سعيد وجابر L أن اليهود زعمت أن العزل الموؤدة الصغرى، فقال النبي H: «كَذَبَتْ يَهُودُ، إِذَا
أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا لَمْ يَمْنَعْهُ».
وتسميته (وأدًا خفيًّا) كما في حديث جذامة على طريق التشبيه بقتل الولد حيًّا، لا يلزم منه أن يكون حرامًا؛ لأن العزل يقصد به: الرجل الهروب من الحمل، وأما الوأد الحقيقي؛ فهو مباشرة القتل للولد، فاجتمع فيه القصد والفعل.
فظهر الفارق بينهما، وإنما شبهه بالوأد لاشتراكهما في القصد والنية، وهي قطع الولادة، مع عدم وجود مباشرة القتل في العزل.
ودعوى النسخ لا دليل عليها، فيجمع بين الأدلة: أن النهي عن العزل للكراهة لا للتحريم، وهذا القول هو الراجح.
ويجوز للمرأة منع الحمل بالعقاقير الطبية بإذن زوجها، إذا لم يكن فيها ضرر عليها، ولا تسبب اضطرابًا في حيضتها، والأفضل مع هذا التركُ، خشية وقوع الضرر.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجوز للرجل العزل إلا بإذن زوجته ورضاها؛ لأن لها في الولد حقًا، وعليها ضرر بسببه، وقد روى الإمام أحمد (1/31) وغيره عن عمر I قال: نهى رسول الله H أن يعزل الرجل عن الحرة إلا بإذنها، وفي سنده ضعف، فيه ابن لهيعة.
ولا يجوز للمرأة منع الحمل بدون إذن زوجها بإجماع العلماء.
([1]) صحيح الترمذي (908).
([2]) شرح مسلم (10/14).
([3]) الاستذكار (18/205)، شرح مسلم (10/9)، المغني (10/228)، المحلى مسألة (1903)، فتح الباري (10/384)، حاشية ابن عابدين (4/251).
([4]) انظر المراجع السابقة.