عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ, فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالًا, وَجَعَلَ لِلْيَمِينِ كَفَّارَةً. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ, وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
تخريج الحديث:
حديث عائشة J: رواه الترمذي (1201)، وابن ماجه (2072)، والبيهقي (7/352)، ورواته ثقات، ولكنه – أيضًا - روي مرسلًا بدون ذكر عائشة J، وهو الراجح، كما رجحه الترمذي والبيهقي وغيرهما.
فقه الحديث:
جاء في ]الصحيحين[ عن عائشة J: «أنَّ النَّبِيَّ H كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ H فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ -تقصد أن ريحته ليست طيبة-، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، فَنَزَلَتْ: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ﴾، وروى النسائي (8317) بإسناد صحيح عن أنس I: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ﴾، ولهذا الحديث شواهد يقوي بعضها بعضًا.
فعليه: تكون هذه الآية نزلت للسببين كما ذكره بعض أهل العلم: الأول: تحريمه للعسل، والثاني: تحريمه لأمته.
وقد آلى النبي H من نسائه شهرًا، فحلف ألا يدخل عليهن في هذا الشهر، وقد قيل: إن سبب ذلك تحريمه للعسل أو لجاريته.
ففي الحديث «آلَى رَسُولُ الله H مِنْ نِسَائِهِ –أي: حلف لا يدخل عليهن- وَحَرَّمَ –أي: العسل أو الجارية-، فَجَعَلَ الحَرَامَ حَلَالًا –أي: ثم رجع عن التحريم فجعل ما حرمه حلالًا له-، وَجَعَلَ لِلْيَمِينِ كَفَّارَةً»، عملًا بقوله تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١ قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡ ﴾ [التحريم: ١ – ٢].
وقيل: إن سببه أن نساءه سألنه النفقة، فآلى منهن بعد سؤالهن شهرًا، كما في ]صحيح مسلم[ من حديث جابر I.
أما تحريم المرأة؛ فقد سبق الكلام عليه في (باب الطلاق).
وأما إذا حرم على نفسه طعامًا أو شرابًا؛ فمذهب المالكية والشافعية: أنه يرجع عن تحريمه هذا، ولا كفارة عليه.
ومذهب الحنفية والحنابلة: أنه يرجع عن التحريم وعليه كفارة يمين، فقد ذكر الله D التحريم ثم قال: ﴿ قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡ ﴾ [التحريم: ٢]، وتحلتها بإخراج كفارة، وقد حرم رسول الله H شرب العسل فنزلت فيه هذه الآية، وفي حديث عائشة J أنه جعل لليمين كفارة.
وهذا القول هو الأرجح.
([1]) تفسير ابن كثير (4/412)، فتح الباري (9/655)، (10/472)، زاد المعاد (5/300)، الصحيح المسند من أسباب النزول لشيخنا الوادعي (ص/159).
([2]) شرح مسلم (10/64)، بداية المجتهد (1/424)، زاد المعاد (5/313)، فتح الباري (13/432).