وَعَن ابن عباس ; أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ, ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا, فَأَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: إِنِّي وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ, قَالَ: «فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ, وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ: مِنْ وَجْهٍ آخَرَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ: «كَفِّرْ وَلَا تَعُدْ».
تخريج الحديث:
حديث ابن عباس L: رواه أبو داود (2222)، والنسائي (6/479)، والترمذي (1199)، وابن ماجه (2065) عن عكرمة عن ابن عباس L، وقد جاء مرسلًا عن عكرمة دون ذكر ابن عباس L، وهو الأصح الذي رجحه النسائي في سننه وأبو حاتم([1])، وقد رواه البزار في مسنده (1569) من وجه آخر عن ابن عباس L، وفيه خصيف بن عبد الرحمن سيء الحفظ،
وعبد العزيز بن عبد الرحمن الأموي، ضعيف جدًّا، وللحديث شواهد –ستأتي- يرتقي بها إلى الحسن.
فقه الحديث:
أجمع العلماء على تحريم الظهار، وقد وصفه الله D بأنه من المنكر والزور.
وصيغته المتفق عليها أن يقول لزوجته: «أنت علي كظهر أمي»، وهذا لفظ القرآن.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لو شبّه زوجته بظهر غير أمه ممن تحرم عليه على التأبيد –كالأخت والبنت- أنه أيضًا من الظهار؛ لأنه منكر من القول وزور.
ولو شبهها بعضو غير الظهر –كأن يقول: «أنت علي كبطن أمي، أو رأسها أو فرجها» -؛ فالصحيح أنه يكون ظهارًا، لأنه قصد تشبيه الحلال بالحرام، بعضو يحرم الاستمتاع به.
وهو مذهب مالك، والأظهر عند الشافعية، ورواية لأحمد.
أجمع العلماء أنه لا يجوز للمظاهر أن يجامع امرأته حتى يكفر، إذا كانت كفارته العتق أو الصيام، لقوله E: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ٣ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗا ﴾ [المجادلة: 3 – ٤]، والتماس: هو الجماع.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجوز له الجماع إن كانت كفارته الإطعام، فلم يذكر الله E هذا القيد - ﴿ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾ - في الإطعام، لأن فيه إطالة للكلام، ونبه بذكره مرتين على تكرار حكمه في جميع الكفارات.
وأيضًا يشترط في التكفير بالصيام مع تطاول زمن الصوم وشدة الحاجة إلى مسيس الزوجة، فمن باب أولى أن يشترط في الإطعام الذي لا يطل زمنه، فيمكن أن يقع التكفير به في يوم واحد، وفي حديث ابن عباس L في الرجل الذي ظاهر من امرأته ثم وقع عليها –أي: جامعها- قال له رسول الله H: «فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ»، والله أمره بالعتق، فإن لم يجد فبالصوم، فإن لم يستطع بالإطعام، فالمنع هنا من الجماع عام في الثلاث الكفارات.
فإذا جامع قبل أداء الكفارة يكون آثمًا، ولا تضاعف عليه الكفارة عند جمهور العلماء، بل تلزمه كفارة واحدة، ففي حديث ابن عباس L ظاهر الرجل من امرأته ووقع عليها قبل أن يكفر، فقال له رسول الله H: «فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ»، ولم يأمره بكفارة أخرى.
وأما استمتاعه بامرأته بدون الجماع –كالتقبيل واللمس-؛ ففيه خلاف بين العلماء:
فمذهب الحنفية والمالكية، والمذهب عند الحنابلة: أنها تحرم عليه أيضًا كالجماع، فظاهر لفظ (التماس) يقتضي المنع من جميع المباشرة للمرأة.
ومذهب الشافعية، ورواية مشهورة لأحمد: أنه يجوز له الاستمتاع بغير الجماع، فقد فسر أئمة التابعين التماس في الآية بالجماع، ولأنه لا يلزم من تحريم الجماع تحريم دواعيه، فالحائض يحرم جماعها دون دواعيه، وكذا الصائم يحرم عليه الوطء دون دواعيه، والأفضل أن يمتنع من هذا الاستمتاع احتياطًا.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يأخذ حكم الظهار، ولا يلزم عليها كفارة الظهار؛ لأن الظهار بيد الرجل لا بيدها كالطلاق، وقد قال تعالى:
﴿ وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ﴾ [المجادلة: ٣].
والصحيح أن عليها كفارة يمين، لعموم قوله D: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ... ثم قال: قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡ ﴾ [التحريم: ١ - ٢]، كما سبق آنفًا.
([1]) علل ابن أبي حاتم (1/434).
([2]) تفسير القرطبي (17/177)، أضواء البيان (6/519)، المغني (11/57)، فتح الباري (10/542).
([3]) الاستذكار (17/124)، تفسير القرطبي (17/180)، بداية المجتهد (2/109)، المجموع شرح المهذب (17/366)، المغني (11/67)، زاد المعاد (5/338)، الإنصاف (9/204).
([4]) الاستذكار (17/126)، تفسير القرطبي (17/179)، المغني (11/112).