وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا تَحِدَّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا, وَلَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا, إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ, وَلَا تَكْتَحِلْ, وَلَا تَمَسَّ طِيبًا, إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيِّ مِنْ الزِّيَادَةِ: «وَلَا تَخْتَضِبْ».
وَلِلنَّسَائِيِّ: «وَلَا تَمْتَشِطْ».
(1118) 05- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا, بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّهُ يَشِبُ الْوَجْهَ, فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ, وَانْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ, وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ, وَلَا بِالْحِنَّاءِ, فَإِنَّهُ خِضَابٌ». قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ? قَالَ: «بِالسِّدْرِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
(1119) 06- وَعَنْهَا; - أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ ابْنَتِي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا, وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا, أَفَنَكْحُلُهَا? قَالَ: «لَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الأحاديث:
حديث أم عطية J: رواه البخاري (5341)، ومسلم (1491)، ورواه أبو داود (2301)، والنسائي (6/204) وزادا فيه: «وَلَا تَخْتَضِبْ»، وإسنادها صحيح، وزاد النسائي في رواية: «وَلَا تَمْتَشِطْ»، ورجالها ثقات، لكن حديث أم عطية J في ]الصحيحين[ وغيرهما من أسانيد متعددة، وليس فيها هذه الزيادة -«وَلَا تَمْتَشِطْ»-، فالظاهر أنها شاذة([1]).
حديث أم سلمة J: رواه أبو داود (2305)، والنسائي (6/204)، سنده ضعيف؛ لجهالة المغيرة بن الضحاك وأم حكيم بنت أسيد وأمها.
حديث أم سلمة J: رواه البخاري (5336)، ومسلم (1488).
فقه الأحاديث:
أجمع العلماء على أن المتوفى عنها زوجها وهي ليست حاملًا أنها تعتد أربعة أشهر وعشرًا، لقوله E: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗا ﴾ [البقرة: ٢٣٤].
وكافة العلماء - إلا من شذ - أنها تحدُّ أربعة أشهر وعشرًا، أي: في مدة عدتها، فتترك التزين حتى تنقضي العدة، ففي الحديث أن رسول الله H قال: «لَا تَحِدَّ اِمْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»، فنص على أن من مات زوجها تحد أربعة أشهر وعشرًا.
وأما غير الزوجة؛ فلا يجوز لها أن تحد فوق ثلاثة أيام.
وأما الحامل المتوفى عنها زوجها؛ فتحد مدة عدتها، وذلك بوضع الحمل ـ كما سبق بيانه ـ.
أجمع العلماء على أن المطلقة الرجعية لا إحداد عليها، فلا زالت زوجة لمطلقها.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن المطلقة البائن لا إحداد عليها أيضًا، فقد قال H: «لَا تَحِدَّ اِمْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ»، فخص الإحداد بالميت وحرمه على غيره.
تجتنب الزينة التي تحسنها وترغب في النظر إليها، فأجمعوا على أنها لا تلبس الملابس المصبوغة التي تتخذ للزينة، كالأحمر والأزرق الصافي والملون.
ولا بأس أن تلبس الثوب الأبيض أو الأسود إذا لم يكن متخَذًا للزينة عند جمهور العلماء.
ويحرم عليها الطيب والكحل، بلا خلاف بين العلماء.
ولا بأس بالكحل لتداوي العين إذا لم يوجد غيره عند جمهور العلماء، وهو الراجح، وأما ما جاء: «أَنَّ اِمْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ اِبْنَتِي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اِشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَنَكْحُلُهَا؟ قَالَ: لَا»؛ فيحمل نهيه عنه فيما إذا أمكن التداوي بغير الكحل.
ويحرم عليها لبس الخاتم من الذهب أو الفضة أو غيرهما عند جمهور العلماء، وهو الراجح؛ لأن الحلي يتخذ للحسن والزينة، وقد روى أحمد (6/302)، وأبو داود (2304) عن أم سلمة J أن رسول الله H قال: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِيَّ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ»، وإسناده صحيح([5]).
ويحرم عليها الخضاب بالحناء أو بغيره من الأصبغة، ولا يعلم فيه خلاف بين العلماء.
وقد قال النبي H في الحادة: «وَلَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا -وهو ما صبغ بلون ويتخذ للزينة-، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ -وهي برد يمانية لا يتخذ للزينة-، وَلَا تَكْتَحِلْ، وَلَا تَمَسَّ طِيبًا، إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً -قطعة- مِنْ قُسْطٍ -عقار تستعمله الحائض بعد غسلها لإزالة الرائحة- أَوْ أَظْفَارٍ -نوع من العطر -، وَلَا تَخْتَضِبْ ».
ولا تمتنع الحادة من التنظيف ولا من الاغتسال.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنها لا تمتنع من الامتشاط، وما جاء في حديث أم عطية J -«وَلَا تَمْتَشِطْ»- إما شاذ لا يثبت، وإما أن المقصود الامتشاط مع مادة أخرى كالطيب أو الحناء؛ لما فيه من زينة، وقد قالت أم سلمة J: «جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا - عصارة نبات الصبر-، بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله H إِنَّهُ يَشِبُ الوَجْهَ –أي: يحسنه-، فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ، وَانْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ، وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ، وَلَا بِالحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خِضَابٌ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ -وهو مسحوق أوراق النبق-». ومثله الصابون الذي لا رائحة له من الطيب.
([1]) منحة العلام (8/70).
([2]) المغني (11/223، 284)، تفسير القرطبي (3/116)، شرح مسلم (10/65)، الاستذكار (18/218).
([3]) شرح مسلم (10/95)، المغني (11/285، 299)، الاستذكار (18/222)، فتح الباري (10/610)، زاد المعاد (5/700).
([4]) تفسير القرطبي (3/116)، شرح مسلم (10/99)، المغني (11/289)، فتح الباري (10/616).
([5]) صححه الألباني في الإرواء (2130).