2024/12/30
عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ: أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ، فَقَتَلُوهُ. قَالَتْ: فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ  أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي; فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةً,

- وَعَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ: أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ، فَقَتَلُوهُ. قَالَتْ: فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ  أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي; فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةً, فَقَالَ: «نَعَمْ». فَلَمَّا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي, فَقَالَ: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ». قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا, قَالَتْ: فَقَضَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُثْمَانُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ, وَالْأَرْبَعَةُ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ, والذُّهْلِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ.

تخريج الحديث:

حديث فريعة بنت مالك J: رواه أحمد (6/370)، وأبو داود (2297)، والنسائي (6/199)، والترمذي (1204)، وابن ماجه (2031)، وإسناده صحيح، قال ابن عبد البر: الحديث صحيح قضى به الأئمة... وأفتوا به وتلقوه بالقبول لصحته عندهم([1]). ا.هـ وقال ابن القيم V: «حديث صحيح مشهور احتج الأئمة به وصححوه»([2]).

فقه الحديث:

المسألة الأولى: أين تعتد المتوفى عنها زوجها([3])؟

هذه المسألة فيها قولان:

القول الأول: تعتد حيث شاءت، فقد ذكر الله D عدة المتوفى عنها زوجها، ولم يتعرض لذكر مكان معين، فقال: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗا [البقرة: ٢٣٤]، وحديث فريعة بنت مالك J حديث ضعيف.

وهذا مذهب جماعة من السلف والظاهرية.

القول الثاني: تعتد في البيت الذي كانت تسكنه قبل موت زوجها، سواء كان ملكًا لزوجها أم لم يكن كذلك، إذا تبرع متبرع بالمسكن وأجرته، ولا يلزمها أن تدفع الإجارة لتبقى، فقد ذكرت فريعة بنت مالك J أن زوجها قتل ولم يترك لها مسكنًا يملكه ولا نفقة، فأرادت أن ترجع إلى أهلها، فقال رسول الله H: «اُمْكُثِي فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ أي: تنقضي العدة-»، فأمرها أن تعتد في البيت الذي كانت تسكن فيه قبل وفاة زوجها، ولو لم يكن ملكًا له، وقضى بهذا عثمان I.

ويجوز لها الخروج لحوائجها في النهار، فالنهار مظنة قضاء الحوائج والمعاش، كالمعتدة من طلاق، ولا تفارق مكانها ليلًا إلا للضرورة.

وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو الراجح.

المسألة الثانية: السكنى للمتوفى عنها زوجها([4]):

هذه المسألة فيها قولان:

القول الأول: ليس لها سكنى على زوجها، لأن الله E جعل للزوجة نصيبًا من التركة، وجعل ما عداه لبقية الورثة، والمسكن من التركة، ولأنها بائن من زوجها، فأشبهت المطلقة ثلاثًا، وحديث فريعة بنت مالك J إنما دل على عدم الخروج، لا على لزوم السكنى على الزوج، وقد صرحت فريعة J بأن البيت ليس لزوجها، أو يحمل على أن أمره بوجوب السكنى مقيد بإذن الورثة.

وأما قوله D: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖ [البقرة: ٢٤٠] فهو منسوخ بقوله D: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗا [البقرة: ٢٣٤].

وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقول للحنفية، وقول للشافعية.

القول الثاني: لها السكنى على زوجها، فهي أحق به من الورثة والغرماء حتى تقضي العدة فيه، وإن كان هذا المسكن بالأجرة؛ فعلى الورثة أن يدفعوا الأجرة من مال الميت، فقد أمر النبي H فريعة J أن تمكث في البيت الذي كانت تسكن فيه قبل موت زوجها، ولم يرخص لها بالرجوع إلى أهلها، ولم يطلب منها أن تستأذن الورثة، وهذا يدل على وجوب السكنى لها.

ولقوله D: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖ [البقرة: ٢٤٠]، فقوله: ﴿ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖ ليس منسوخًا، وإنما نسخت العدة من حول إلى أربعة أشهر.

وهذا مذهب الجمهور، وهو الأقرب.

المسألة الثالثة: إذا تعذر عليها البقاء في البيت الذي كانت تسكنه([5]):

إما لخوف أو منعت من السكنى فيه ظلمًا.

فمذهب الحنفية والمالكية: تسكن في المكان المهيء لا تخرج منه؛ لأنه حق لله.

ومذهب الشافعية وبعض الحنابلة: أنها تنتقل إلى أقرب موضع إليه؛ لأنه أقرب إلى موضع الوجوب.

والمذهب عند الحنابلة: أنها تسقط السكنى، ولها أن تسكن حيث شاءت، فتكمل فيه العدة، فلم يرد بدل له في الشرع، وهذا هو الراجح، ورجحه ابن عثيمين V.

 

([1]) الاستذكار (18/185).

([2]) زاد المعاد (5/680).

([3]) الاستذكار (18/179)، تفسير القرطبي (3/117)، المغني (11/290)، زاد المعاد (5/679).

([4]) شرح مسلم (10/81)، المغني (11/292)، تفسير القرطبي (3/148)، زاد المعاد (5/688)، الإنصاف (9/368).

([5]) المغني (11/292)، الإنصاف (9/306)، الموسوعة الفقهية (29/351).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1110