وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ أُرِيدُ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ. فَقَالَ: «إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي; إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عباس L: رواه البخاري (2645)، ومسلم (1447).
فقه الحديث:
أجمع العلماء على أن الحرمة تحصل بين المرتضع والمرضعة وأقاربها، فتصبح المرضعة، أمه وأمها جدته، وبنات المرضعة أخواته، وأولاد أولاد المرضعة أولاد إخوانه وأخواته، وإخوان وأخوات المرضعة أخواله وخالاته، وهكذا.
وأجمعوا –أيضًا- على حصول الحرمة بين المرضعة وفروع المرتضع، وهم أولاده، وأولاد أولاده وإن نزلوا، فتصبح أمه من الرضاعة جدتهم، وإخوانه وأخواته من الرضاعة أعمامهم وعماتهم... إلخ.
ودليله: ما ثبت عن النبي H أنه قال: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»، أي: تحصل الحرمة بالرضاع كما تحصل من النسب.
وأجمعوا على أن الحرمة لا تتعدى إلى باقي أقارب المرتضع، من أصول أو حواشي، كأمه وأبيه، وإخوانه وأخواته من النسب، فيجوز لأخيه من النسب أن يتزوج بأخت المرتضع من الرضاع، ويجوز لأخي المرتضع من الرضاع أن يتزوج باخته من النسب.
وذلك لأن سبب التحريم: ما ينفصل من ثدي المرضعة وهو اللبن، فيصبح المرتضع جزءًا من أجزائها، بخلاف أقارب المرتضع؛ فليس بينهم وبين المرضعة نسب ولا سبب، وهو اللبن.
المسألة الثانية: ما يترتب على حرمة الرضاع([2]):
يترتب عليه تحريم النكاح وتوابعه وجواز الخلوة والنظر والمصافحة، ولا يترتب عليه باقي الأحكام من التوارث ووجوب الإنفاق والعتق بالملك وإسقاط القصاص عن الأب والأم، وهذا كله أجمع عليه العلماء.
المقصود به عدة صور، وهي أم زوجته من الرضاعة، وبنتها من الرضاعة، والجمع بين الأختين من الرضاعة، وبين المرأة وعماتها أو خالاتها من الرضاع، وأبو زوج المرأة من الرضاعة، وابنه من الرضاعة، وزوجة ابنه من الرضاعة.
الصحيح الذي عليه عامة العلماء: أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة، كما يحرم من النسب، وذلك لأن تحريم هذا يدخل في عموم قوله H: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»، حيث أجرى الرضاعة مجرى النسب، وشبهها به، فما ثبت للنسب من التحريم ثبت للرضاعة، فإذا حرمت أم الزوجة وابنتها من النسب؛ حرم بالمثل أم زوجته وابنتها من الرضاعة، وإذا حرم الجمع بين الأختين من النسب؛ حرم بالمثل الجمع بين الأختين من الرضاعة، لأنه يحرم من الرضاع مثل ما يحرم من النسب.
وقال ابن القيم V: «لا تحصل الحرمة هنا كما تحصل بالمصاهرة»؛ ففي الحديث: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»، ولم يقل: ما يحرم بالمصاهرة، ولعموم قوله E: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ ﴾ [النساء: ٢٤]، ولم يذكر المحرمات من الرضاعة كالمحرمات من المصاهرة، فهو مما أحل لنا، وجعل سلفه في المسألة من لم يثبت التحريم بلبن الفحل. ونقل عن شيخه ابن تيمية V التوقف في المسألة، ونقل بعضهم عن ابن تيمية V أنه لا يرى حصول الحرمة بالرضاعة كما تحصل بالمصاهرة([4]).
واختار علماء اللجنة الدائمة مذهب الجمهور([5]).
ورجح ابن عثيمين V القول الثاني وقال: لو ذهب ذاهب إلى حالة وسط في هذه المسألة، وقال بقول الجمهور في أنه لا يحل له نكاحها، وإلى قول ابن تيمية أنها ليست من محارمه، وعمل بالاحتياط؛ لكان هذا له وجه([6]). ا.هـ.
([1]) بداية المجتهد (2/35)، شرح مسلم (10/17)، المغني (9/515)، المحلى مسألة (1860)، فتح القدير لابن الهمام (3/447)، زاد المعاد (5/561)، فتح الباري (10/176).
([2]) انظر المراجع السابقة.
([3]) انظر المراجع السابقة.
([4]) الأخبار العلمية للعلي (ص/213).
([5]) فتاواها (21/45، 96).
([6]) دروس وفتاوى الحرم المكي (3/262).