وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث ابن مسعود : رواه البخاري (6533)، ومسلم (1678).
فقه الحديث:
عليه ثلاثة حقوق:
الأول: حق لله D.
فقد أذنب ذنبًا عظيمًا بقتله النفس المسلمة بلا حق، عمدًا وعدوانًا، ويسقط هذا الحق بالتوبة النصوح عند جمهور السلف وجميع أهل السنة، لقوله E: ﴿ وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَ... إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٧٠ ﴾ [الفرقان: ٦٨ - ٧٠]، ولعموم قوله E: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [النساء: ٤٨]، وفي ]الصحيحين[ في الرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب، فقبل الله E توبته.
ولأن التوبة تصح من الكافر، فمن القاتل المسلم أولى.
وأما قوله D: ﴿ وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا ﴾ [النساء: ٩٣] فالمراد من الآية: المكث الطويل لا التأبيد؛ لأن هذا جزاؤه إن جازاه الله ولم يتب، أو أنه من باب التغليظ، أو أنها في حق من استحل قتل أخيه المسلم بغير حق.
الثاني: حق أولياء المقتول.
فحقهم يسقط باستيفاء القصاص، أو بأخذ الدية، أو بالعفو عن القاتل، بحسب ما يختارونه.
الثالث: حق المقتول.
الذي عليه أكثر العلماء: أن حقه يسقط بالتوبة النصوح، وباستيفاء القصاص من القاتل؛ لأن التوبة النصوح تهدم ما قبلها، وقد قبلت توبة من قتل مائة نفس وأدخل الجنة، ولم يذكر أنه طولب بحق من قتلهم، ولأن القصاص حده، والحدود كفارة لأهلها، وقد استوفى المقتول حقه لما فُعِل بالقاتل كما فعل به.
ومذهب الحنفية، ورواية للحنابلة: أن حق المقتول لا يسقط، ويستوفيه منه يوم القيامة، فتوبته تنفعه بينه وبين الله E، والقصاص حق لأولياء المقتول، وقد أخذوه ولم تحصل منفعة للمقتول بذلك؛ وقد قال H: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الدِّمَاء»، وهذا يدل على عظم هذا الذنب، وأن الحكم بين القاتل والمقتول يوم القيامة لا بد منه، فهذا أعظم ظلم يقع من المسلم، فالقضاء بالدماء بينهما واقع يوم القيامة.
وقال ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله: يبقى حق المقتول، ويجعل الله E من تمام مغفرته للقاتل بتوبته النصوح أن يعوض المقتول من فضله وإحسانه ما يرضيه، فيعوض المقتول عن مظلمته لكمال فضله، ولا يعاقب القاتل لكمال توبته.
وهذا القول هو الأقرب، ورجحه الشيخ ابن عثيمينV.
([1]) المغني (11/443)، مجموع الفتاوى (34/138، 140)، مدارج السالكين (1/399)، فتح الباري (9/442)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5528، 5662).