2024/12/30
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ, فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ, فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا, فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ  أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا: غُرَّةٌ;

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ, فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ, فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا, فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ  أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا: غُرَّةٌ; عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ, وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ. فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ يَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ, وَلَا أَكَلَ, وَلَا نَطَقَ, وَلَا اسْتَهَلَّ, فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ» ; مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(1180) 12- وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ; أَنَّ عُمَرَ  سَأَلَ مَنْ شَهِدَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ  فِي الْجَنِينِ? قَالَ: فَقَامَ حَمَلُ ابْنُ النَّابِغَةِ, فَقَالَ: كُنْتُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ, فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ... فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ.

تخريج الحديثين:

حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (6910)، ومسلم (1681).

حديث ابن عباس L: رواه أبو داود (4559)، والنسائي (8/22)، وابن ماجه (2641)، وإسناده صحيح.

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: أنواع القتل([1]):

هي ثلاثة أنواع:

الأول: القتل العمد. وذلك إذا ضرب أو رمى شخصًا عامدًا بما يقتل غالبًا، كالسيف والرمح، وقد أجمعوا على أن فيه القصاص.

الثاني: القتل الخطأ. وهو أن يفعل فعلًا لا يريد به إصابة إنسان، فيصيبه ويقتله، مثل أن يرمي صيدًا أو هدفًا، فيصيب إنسانًا فيقتله، وقد أجمع العلماء على أنه لا قصاص فيه، وإنما فيه الدية.

الثالث: القتل شبه العمد، ويسمى عمد الخطإ. وذلك بأن يضرب أو يرمي شخصًا عامدًا بما لا يقتل غالبًا، كالضرب بالسوط أو العصا الصغيرة، أو الوكز باليد، أو الرمي بالحجر الصغير، فلم يقصد قتله، وإنما قصد ضربه عدوانًا أو تأديبًا، وهذا النوع اختلف فيه العلماء على قولين:

القول الأول: مذهب الظاهرية، والمشهور عند المالكية: أنه يلحق بالعمد ويجب فيه القصاص؛ لأنه قتله بجناية عمد، فكان من قتل العمد، وليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ.

والمرأة التي قتلت أخرى بحجر فقضى رسول الله H بدية المرأة على عاقلتها؛ يحتمل أنه حكم بالقصاص أولًا، ثم اتفقت عاقلة القاتلة وأولياء المقتول على أن تدفع العاقلة الدية ويعفو الأولياء، فحكم رسول الله H بهذا بعد ذلك.

أو يحمل على أنه قضى بالدية على العاقلة؛ لأنه تبين له بعد ذلك أنه قتل خطإ، وقد جاء من حديث ابن عباس L: «فَقَضَى النَّبِيُّ H فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا»، وهذه اللفظة شاذة لا تثبت([2])، والمحفوظ من حديث ابن عباس وغيره كحديث أبي هريرة في الصحيحين والمغيرة في مسلم بدونها.

القول الثاني: مذهب جمهور العلماء: أنه نوع ثالث بين العمد والخطأ، وليس فيه القصاص، وإنما فيه دية مغلظة، فقد قضى النبي H في المرأة التي قتلت أخرى بحجر بالدية، ولم يقض بالقصاص مع أنها تعمدت رميها.

وأيضًا جعل الدية على العاقلة، مع أن الدية في القتل العمد تكون على الجاني وليست على العاقلة، وليس القتل في الحديث خطأ كما هو ظاهر من القصة، وما جاء أن رسول الله H قضى أن تقتل بها؛ فهي لفظة شاذة - كما سبق -.

وجاء عن عبد الله بن عمرو L أن رسول الله H قال: «أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ([3])»، فصرحت السنة بنوع ثالث من القتل، هو الخطأ شبه العمد.

وأيضًا صح هذا عن عثمان وعلي L وجماعة من الصحابة، ولا مخالف لهموهذا هو الراجح.

المسألة الثانية: من يتحمل دية الخطإ وشبه العمد([4])؟

أجمع العلماء على أن دية الخطأ تكون على العاقلة، ففي الصحيفة التي أعطاها النبي H لعلي I: «العَقْلُ»، رواه البخاري. أي: الدية على العاقلة، وفي ]صحيح مسلم[ عن جابر I أن النبي H كتب: «عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ».

وكذلك دية شبه العمد تكون على العاقلة عند جمهور العلماء، فقد قضى النبي H على المرأة التي قتلت امرأة بحجر بدية على عاقلتها.

وأجمعوا على أن العاقلة هي العصبة، وهم أقارب القاتل الذكور من جهة الأب، وهم كل وارث قرب أو بعد وإن كان محجوبًا، فيدخل فيهم الإخوة وأبناؤهم والأعمام وأبناؤهم وهكذا، ففي ]الصحيحين[ في بعض طرق قصة المرأة الهذلية قال رسول الله H: «وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا».

وسميت العصبة عاقلة؛ لأنها تمنع عن القاتل، فالعقل: المنع.

ويقدم في الدية الأقرب فالأقرب، فإذا اتسعت أموال الأقرب للعقل لم ينتقل إلى من بعدهم، كالميراث وولاية النكاح يقدم الأقرب فالقريب، وعلى هذا عامة العلماء.

والصحيح: أن كل واحد منهم يُحمَّل ما يقدر له ولا يشق عليه بحسب طاقته، فليس له حد شرعي مقدر، والتحديد يحتاج إلى الشرع، وهذا مذهب مالك والظاهرية، والمشهور عند الحنابلة.

وعامة العلماء - إلا من شذ - على أنها لا تؤخذ من فقير معدِم ولا صبي، وذلك لأن تحمُّل الدية للتناصر والمواساة، والفقير المعدِم لا يقدر على ذلك، والصبي ليس من أهل النصرة.

المسألة الثالثة: الجناية على الجنين في بطن أمه([5]):

عامة العلماء على أن دية الجنين: غرة عبد أو أَمة، والمراد بالغرة هنا: العبد والأَمة، وسميا بذلك؛ لأنهما من أنفس الأموال وأفضلها، فهما أفضل من الإبل أو البقر أو الشياه، فقد قضى النبي H في المرأة التي قتلت أختها وما في بطنها أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة -أمة-.

والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن هذه الغرة تقدر بخمس من الإبل؛ لأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجنايات، وجاء أيضًا عن عمر I، وصح عن جماعة من التابعين، ولا مخالف لهم.

 

([1]) الاستذكار (25/24، 249)، شرح مسلم (11/132، 147)، المغني (11/445، 463)، بداية المجتهد (2/397)، المحلى (10/378-387).

([2]) سنن البيهقي (8/114).

([3]) صححه الألباني في الإرواء (2197)، وسيأتي تخريجه في باب الديات.

([4]) المغني (11/13، 16، 21، 39-47)، المحلى مسألة (2023، 2024، 2143)، شرح مسلم (11/147)، بداية المجتهد (2/413)، فتح الباري (14/240، 248).

([5]) المغني (11/64، 66)، الاستذكار (25/79)، مجموع الفتاوى (34/160).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1151