2024/12/30
عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ - عَمَّتَهُ - كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ, فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ, فَأَبَوْا, فَعَرَضُوا الْأَرْشَ, فَأَبَوْا, فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ  وَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ,

وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ - عَمَّتَهُ - كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ, فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ, فَأَبَوْا, فَعَرَضُوا الْأَرْشَ, فَأَبَوْا, فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ  وَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ, فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ  بِالْقِصَاصِ, فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ? لَا, وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ, لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «يَا أَنَسُ! كِتَابُ اللَّهِ: الْقِصَاصُ». فَرَضِيَ الْقَوْمُ, فَعَفَوْا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

تخريج الحديث:

حديث أنس I: رواه البخاري (2703)، ومسلم (1675).

فقه الحديث:

المسألة الأولى: القصاص فيما دون النفس من الأطراف والأعضاء([1]):

أجمع العلماء على القصاص في الأطراف والأعضاء، كاليد والرجل والسن والعين والأذن والأنف، فقد قال D: ﴿ وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞ [المائدة: ٤٥]، وكسرت الربيع بنت النضر J ثنية جارية أي: سنها- فأمر رسول الله H بالقصاص.

ويشترط بالإجماع أن يكون استيفاء القصاص من غير حيف ولا زيادة، فلا قصاص فيما يخاف منه ذهاب النفس وعدم الاقتدار على المماثلة، لقوله E: ﴿ وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ [النحل: ١٢٦]، فلا يمكن المنع من الزيادة أو الحيف إلا بالمنع من القصاص.

فمثلًا من فقأ عين شخص تُفقَأ عينه بالإجماع، قال تعالى: ﴿ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ .

فإذا ضرب شخص آخر فذهب البصر أي: ضوء العين- مع بقائها؛ ففيه القصاص عند الأئمة الأربعة؛ لإمكان المماثلة في ذلك بأن توضع مادة على عين الجاني، كالكافور، فيذهب ضوء العين مع بقائها.

فلو ضربه وذهب بعض البصر لا كله؛ فلا خلاف عندهم أنه لا قصاص، لعدم إمكان المماثلة، فيلزم الأرش.

ومن قلع سن غيره؛ فيجب القصاص بالإجماع، لنص القرآن والسنة.

وإذا كسر بعض السن؛ فجمهور العلماء على القصاص أيضًا، لإمكان استيفائه بدون زيادة، وتُبرَد بردًا، وقد كسرت الربيع بنت النضر J سن جارية ورفض أولياؤها العفو أو الدية، فأمر رسول الله H بالقصاص.

وتقاس سائر الأطراف والأعضاء على هذه الأمثلة.

والوسائل الحديثة تساعد جدًا في تقدير المثل عند إقامة القصاص.

ويشترط أيضًا- أن لا تؤخذ الصحيحة بالشلاء عند عامة العلماء، فلا يجب قطع اليد أو الرجل أو الساق الصحيحة بالشلاء، لأن الشلاء لا نفع فيها، إلا الجمال، فلا يؤخذ بها ما فيه منفعة، وهكذا لا تؤخذ العين السليمة بالعوراء، ولا يقطع اللسان الناطق بالأخرس، وإنما يلزم الأرش فيما سبق.

والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يؤخذ العضو الأيمن بالأيسر، ولا العكس، فلا تؤخذ اليمنى باليسار والعكس في اليدين أو الرجلين أو العينين أو الأذنين أو الثديين، لأن كل واحد منهما يختص باسم، فأشبهت ما لو أخذ اليد مكان الرجل والعكس.

المسألة الثانية: القصاص في العظم إذا كُسِر([2]):

ذهب جمهور العلماء إلى عدم القصاص في العظم -إلا عظم السن-، لأنه يتعذر معه المماثلة، فلا يمكن الوصول إلى العظم إلا بعد المرور بما دونه مما لا يعرف قدره، ولأنه إذا كُسِر موضع ربما كسر موضع آخر.

ومذهب الإمام مالك V أن القصاص يجري في سائر عظام البدن، لقوله D: ﴿ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞ [المائدة: ٤٥]، وأمر النبي H بالقصاص في السن التي كسرت كما في حديث الربيع بنت النضر J، والسن عظم.

وهذا هو الراجح، إذا تحققت المماثلة، لوجود الوسائل الحديثة.

المسألة الثالثة: القصاص في الشجاج([3]):

هي الجراح التي لم يُكسَر معها العظم.

أجمع العلماء على أن الجراح التي تنتهي إلى العظم إذا كانت في الرأس أو الوجه وهو ما يعرف بـ«الموضحِّة» أن فيها القصاص.

وأما إذا كانت في غير الرأس أو الوجه كالساعد والساق والفخذ؛ فقد اختلفوا فيها؛ والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن فيها القصاص أيضًا، لعموم قوله E: ﴿ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞ [المائدة: ٤٥]، ولأنه يمكن استيفاؤها من غير حيف ولا زيادة.

واختلفوا فيما دون ذلك، كالجراح التي تسيل الدم وتسمى بـ«الدامية»، أو التي تشق الجلد وتسمى بـ«الخارصة»، أو تشق اللحم وتسمى بـ«الباضعة»، أو تصل إلى القشرة الرقيقة بين اللحم والعظم وتسمى بـ«المتلاحمة»؛

فمذهب الشافعية والحنابلة: أنه لا قصاص فيها، لعدم القدرة على المماثلة، ولمخافة الزيادة والحيف.

ومذهب المالكية والظاهرية: وهو الأظهر عند الحنفية أن فيها القصاص، لعموم قوله D: ﴿ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞ [المائدة: ٤٥]، فيمكن ذلك من غير حيف ولا زيادة.

وهذا هو الراجح.

 

([1]) المغني (11/531، 569)، تفسير القرطبي (6/126) بداية المجتهد (2/407)، فتح الباري (14/212).

([2]) المغني (11/532)، تفسير القرطبي (6/132)، فتح الباري (14/212)، فتح باب العناية (3/334).

([3]) المغني (11/532، 539)، تفسير القرطبي (6/132)، المحلى (10/403)، بداية المجتهد (2/407)، مجموع الفتاوى (34/227).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1152