وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قُتِلَ غُلَامٌ غِيلَةً, فَقَالَ عُمَرُ: «لَوِ اشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
تخريج الأثر:
أثر عمر : رواه البخاري (6896).
فقه الأثر:
ذهب بعض السلف، وداود الظاهري، والإمام أحمد في رواية: إلى أن الجماعة لا يقتلون بالواحد، فلا دليل من كتاب ولا سنة على أنه يُقتَل جمع بواحد، فقد قال D: ﴿ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ ﴾ [المائدة: ٤٥]، فمقتضاه أنه لا يؤخذ بالنفس أكثر من نفس واحدة.
واختلفوا فيما يلزم عليهم؛ فقيل: يقتل واحد منهم يختاره ولي أمر المقتول. وقيل: لا قصاص على أحد منهم، وتتعين الدية على جميعهم.
وذهب جمهور العلماء إلى أنهم يقتلون بالواحد، بشرط أن يكون كل واحد منهم لو انفرد بفعله لصح أن يقتل، وأن يكون قاتلًا له، فلابد في فعل كل واحد منهم أن يكون صالحًا لإزهاق الروح، فتكون جناية كل واحد كافية للقصاص.
والعمدة في ذلك: ما صح عن عمر بن الخطاب I في غلام قتله جماعة غيلة –أي: خديعة وخفية-، وفي رواية أنهم سبعة، فقال: «لَوْ اِشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ»، وثبت أيضًا عن علي بن أبي طالب I.
ولأن القصاص لا يتبعض ويتوزع، فيلزم على جميعهم.
وهذا هو الراجح.
ولو طلب أولياء المقتول الدية بدل القصاص؛ فلهم دية واحدة، لأن الدية تتبعض، وأما القصاص فلا يتبعض، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم.
مذهب الحنفية والظاهرية، وراية لأحمد: أنه لا يقطع عضو كل واحد منهم بعضو المجني عليه؛ لأن القصاص في الأطراف يشترط فيه المماثلة والمساواة، لهذا لا تقطع الصحيحة بالشلاء، بخلاف النفس تقتل الصحيحة بالمريضة.
وأيضًا يعتبر بالأطراف تحديد المكان الذي حصل فيه القطع عند القصاص، بخلاف النفس، لأن القتل واحد.
ومذهب المالكية والشافعية، والمشهور عند الحنابلة: يقطع العضو من جميعهم؛ لأنه قصاص لا يتبعض، كما في الأنفس.
وهذا هو الراجح.
أي: خديعة وخفية، وذلك بأن يستدرجه ويؤمنه فيخدعه ويقتله.
اختلف العلماء في عقوبته:
فمذهب المالكية، وبعض الحنابلة: لا يسقط القصاص إذا أراد ذلك أولياء المقتول بدية أو عفو، فقد قتِل غلام غيلة، فقال عمر I: «لَوْ اِشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ»، فجعل أمره لإمام المسلمين، ولم يجعله لأولياء المقتول، حتى ينظروا ماذا يختارون.
ومذهب جمهور العلماء: أن قتل الغيلة كسائر أنواع القتل في العقوبة، فأمره إلى أولياء المقتول، إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا تركوا وأخذوا الدية أو العفو، فالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة لم تفرق بين قتل الغيلة وغيره، وما جاء عن عمر I ليس ظاهرًا فيما قاله المخالف، فالمراد منه: بيان أن ولي المقتول يستوفي القصاص منهم جميعًا، لا أنه جعله للحاكم.
وهذا هو الراجح.
مذهب الحنفية والمالكية: يقتل بهم، ولا دية على أوليائه مع القصاص، ولو طلب بعضهم الدية فقتلُه يكفي ويسقط حق الباقين، كما أن الجماعة إذا قتلوا واحدًا قتلوا به، ولو أوجبنا مع القصاص دية لكان زيادة على الحد، وهذا ظلم.
ومذهب الشافعية: أن عليه القصاص وللبقية دية -ولو طالب الجميع بالقصاص-، فيقاصص لأحدهم ويأخذ البقية الدية، لأن لكل واحد استيفاء القصاص، فاشتراكهم في المطالبة لا يوجب تداخل حقوقهم.
ومذهب الحنابلة: إن طلب الجميع القصاص فيقتل ولا دية لأحد، وإن طلب بعضهم الدية وبعضهم طلب القصاص؛ قتل لمن اختار القصاص، وأعطي البقية الدية، فأهل كل قتيل يستحقون ما اختاروه من القتل أو الدية.
وهذا القول هو الأقرب.
([1]) المغني (11/491)، روضة الطالبين (8/37)، بداية المجتهد (2/399)، مجموع الفتاوى (34/139)، فتح الباري (14/216)، أضواء البيان (2/105).
([2]) المغني (11/494)، بداية المجتهد (2/405)، الإنصاف (10/29)، فتح باب العناية (3/339).
([3]) المغني (11/460)، الموسوعة الفقهية (31/344)، منحة العلام (8/270).
([4]) المغني (11/541)، فتح باب العناية (3/339)، الإنصاف (9/494)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5636).