وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعِي ابْنِي فَقَالَ: «مَنْ هَذَا?» قُلْتُ: ابْنِي. أَشْهَدُ بِهِ. قَالَ: «أَمَّا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ, وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ الْجَارُودِ
تخريج الحديث:
حديث أبي رمثة I: رواه أحمد (2/226)، وأبو داود (4495)، والنسائي (8/53) وغيرهم، وإسناده صحيح.
فقه الحديث:
اختلف العلماء في دخولهما في العاقلة التي تتحمل دية الخطأ:
القول الأول: ليس الأب والابن من العاقلة، ويستثنيان من العصبة هنا، فلا يشاركان في دفع دية الخطأ، فقد روى أبو داود (4575) عن جابر I في المرأة التي قتلت أخرى بحجر قال: «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ H دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا»، وإسناده ضعيف، وقال أبو رمثة I: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ H وَمَعِي اِبْنِي، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: اِبْنِي، أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: أَمَّا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ»، أي: لا يضمن جنايتك ولا تضمن جنايته.
وهذا مذهب الشافعية، ورواية لأحمد.
القول الثاني: الأب والابن من العاقلة، فيشتركان في دفع وتحمل دية الخطأ، لأنهما من عصبته، والعاقلة: هي العصبة، ففي ]الصحيحين[ عن أبي هريرة I في قصة المرأة التي قتلت أختها بحجر، فقضى رسول الله H بالدية على عصبتها.
ولأنهما أحق العصبات بميراث المرء، فكانا أولى بتحمل ديته إذا قتل خطأ.
وحديث جابر I ضعيف، وحديث أبي رمثة I يحمل على القصاص، أو على تحمل دية العمد، أو على الإثم والجرم، فكل واحد منهما لا يجني إلا على نفسه.
وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو الراجح.
أجمع العلماء على أن دية العمد تجب في مال القاتل، ولا تحملها العاقلة إلا برضاها؛ لأنها جزاء جناية ارتكبها عمدًا، فبدل المتلَف يجب على المتلِف، وفي حديث أبي رمثة I: «أَمَّا إِنَّهُ –يعني: ابنه- لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ».
أجمع العلماء على وجوب الكفارة على من قتل نفسًا خطأً، لقوله E:
﴿ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَٔٗأً فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ... إلى قوله: فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ ﴾ [النساء: ٩٢]، سواء كان المقتول ذكرًا أم أنثى، كبيرًا أم صغيرًا.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن الكفارة تجب في القتل شبه العمد أيضًا، لأنه بمعنى الخطأ، فلا قصاص فيه، والعاقلة هي التي تحمل الدية.
ولا تجب الكفارة في القتل العمد؛ لأن الآية خصت المخطئ بالكفارة، ولا دليل على وجوبها في القتل العمد، وعليه جمهور العلماء، وهو الراجح.
وأجمعوا على أن الكفارة: تحرير رقبة، فإن لم يجد القاتل صام شهرين متتابعين، كما نصت عليه الآية.
فمن لم يستطع؛ بقي الصيام في ذمته متى استطاع صام، وإلا سقطت عنه الكفارة، ولا يجب عليه إطعام ستين مسكينًا بدلًا عن الصيام؛ لأن الآية لم تنص عليه.
وهو المذهب عند الحنابلة، ووجه للشافعية، وهو الراجح.
([1]) المغني (12/39)، مجموع الفتاوى (34/158)، الإنصاف (10/119).
([2]) المحلى مسألة (2140)، المغني (12/28)، أضواء البيان (3/522)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5712).
([3]) المغني (12/223-228)، المحلى مسألة (2091)، الإنصاف (10/135)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5733).