وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ; أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدَ تَشْتُمُ النَّبِيَّ وَتَقَعُ فِيهِ, فَيَنْهَاهَا, فَلَا تَنْتَهِي, فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَخْذَ الْمِعْوَلَ, فَجَعَلَهُ فِي بَطْنِهَا, وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا. فَقَتَلَهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَقَالَ: «أَلاَ اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عباس L: راه أبو داود (4361)، والنسائي (7/107) وإسناده حسن.
فقه الحديث:
أجمع العلماء على أن سب رسول الله H كفر، فقد قال E: ﴿ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ ٦٥ لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ ﴾ [التوبة: ٦٥ - ٦٦].
وأجمعوا على أن حد الساب له القتل، لعموم قوله H: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وفي حديث ابن عباس L: «أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدَ تَشْتُمُ النَّبِيَّ H وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا، فَلَا تَنْتَهِي، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَخْذَ المِعْوَلَ، فَجَعَلَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا، فَقَتَلَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ H فَقَالَ:ألا اِشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ –أي: لا يُضمن-».
واختلفوا في قتله بعد توبته وندمه؛ فمذهب الحنفية، والمشهور عند الشافعية، وقول لمالك، ورواية لأحمد: أنه لا يقتل بعد توبته، كسائر أسباب الردة، ومنه سب الله E وسب القرآن، ولا يعلم أن رسول الله H قتل أحدًا سبه بعد توبته.
والمشهور عند المالكية والحنابلة، وقول بعض الشافعية وابن تيمية: أنه يقتل ولو تاب؛ لأنه حق لآدمي، فيحتاج إلى العفو منه، وبعد مماته لا يمكن الحصول على العفو منه.
والقول الأول أقرب، والله أعلم.
([1]) روضة الطالبين (7/284)، الشفاء للقاضي عياض (2/392)، المحلى مسألة (2312)، مجموع الفتاوى (7/273)، الصارم المسلول (3/550، 955)، حاشية ابن عابدين (6/281)، الإنصاف (10/332).